Page 257 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 257

‫‪255‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫سينما‬

 ‫يعكس هذا البراح الذي يحيط به‬          ‫الأرملة هذه الدائرة وتتخلص‬         ‫التباين اللوني للأبيض والأسود‬
 ‫إلا مزي ًدا من الوحشة والشتات‪،‬‬        ‫من مخاوفها وتشهر علاقتها‬               ‫والكادرات الثابتة واللقطات‬
                                     ‫بالرجل الأفريقي‪ ،‬وتستطيع أن‬              ‫الواسعة البعيدة كي تمتص‬
   ‫وهو دائ ًما يسير حام ًل حقيبة‬    ‫تقهر مناوئيها‪ ،‬ولكن الثمن يكون‬
   ‫عوده الذي لا يعزف عليه أب ًدا‬    ‫بأن تترك بيتها ويتخذا طريقهما‬          ‫الخوف على مهل وروية كوجبة‬
‫رغم ترديد والده‪ :‬الموسيقي الذي‬       ‫خارج القرية‪ ،‬ليس لتركيا ولكن‬                      ‫تليق بعشاء أخير‪.‬‬
    ‫لا يعزف إنسان ميت‪ ،‬وربما‬
  ‫يكون هو لا يعزف لأنه بالفعل‬                             ‫لأفريقيا‪.‬‬             ‫ويكون مفتتح مشاهدتي‪/‬‬
   ‫صار إنسا َنا ميتًا من الخوف‪.‬‬           ‫مستخد ًما اللونين الأبيض‬          ‫خوفي الفيلم البلغاري‪FEAR :‬‬
‫الصمت‪ ،‬قلة الكلام هو ما يتصف‬        ‫والأسود اللذين يجسدان الجدب‬
   ‫به عمر الذي نجده بين الحين‬            ‫والوحشة؛ يقدم لنا المخرج‬                            ‫«الخوف»‪.‬‬
                                         ‫«إيفايلو خريستوف» دراما‬         ‫يبدأ الفيلم بلقطات واسعة لأراض‬
     ‫والآخر يتواصل عبر هاتف‬             ‫إنسانية تمزج بين الكوميديا‬
   ‫عمومي مع والدته اللاجئة إلى‬     ‫والمأساة‪ ،‬ويقدم لنا قضية جديدة‬             ‫قاحلة تعاني التجمد‪ ،‬وأرملة‬
‫تركيا‪ ..‬عائلة واحدة تفرقت بفعل‬          ‫وه ًّما إنسانيًّا ظهر في الأونة‬     ‫متوسطة العمر تجاهد الوحدة‬
   ‫الحرب‪ ،‬حيث هرب الأب والأم‬        ‫الخيرة‪ ،‬وهو قضية اللاجئين من‬
   ‫إلى تركيا‪ ،‬والابن الأصغر عمر‬       ‫أفريقيا وآسيا إلى أوروبا‪ ،‬التى‬          ‫والبحث عن لقمة العيش‪ ،‬في‬
   ‫إلى إسكتلندا‪ ،‬بينما يبقى الابن‬      ‫سنراها بشكل مركز أكثر مع‬             ‫قرية بلغارية محدودة الموارد‪،‬‬
 ‫الأكبر نبيل‪ ..‬نتابع قصة العائلة‬      ‫الفيلم البريطاني ليمبو أو التيه‬        ‫وتقع على الحدود البلغارية‪-‬‬
  ‫من المحادثة الهاتفية‪ ،‬فالأم هي‬                                          ‫التركية‪ ،‬حيث يعبر اللاجئون في‬
‫الأم في كل الأوقات‪ ،‬مع اصرارها‬              ‫للمخرج‪« :‬بن شاروك»‪.‬‬            ‫طريقهم لبقية أوروبا‪ ،‬تتعرض‬
                                       ‫فنرى الشاب السورى «عمر»‬             ‫الأرملة التي تجيد الصيد البري‬
     ‫على سؤال‪ :‬هل تغير ملايات‬        ‫الذي يقدمه المخرج في كثير من‬          ‫لتحرشات بعض رجال القرية‪،‬‬
‫السرير كل اسبوع؟ وربما يكون‬         ‫اللقطات المقربة ج ًّدا‪ ،‬والتي تظهر‬
‫تمسكنا بهذه التفاصيل الصغيرة‬       ‫سكون وجهه الظاهري واضطرابه‬                  ‫بمن فيهم قائد نقطة حرس‬
‫هو ما يجعل عقلنا يتحمل كل هذا‬       ‫الداخلي‪ ،‬ويقدمه في لقطات بعيدة‬         ‫الحدود‪ ،‬لكنها تقابل محاولاتهم‬
                                      ‫وسط الطبيعة الإسكتلندية‪ ،‬فلا‬
              ‫الخوف والشتات‪.‬‬                                                        ‫بالسخرية والتعنيف‪.‬‬
‫بأداء رصين وا ٍع للمثل المصري‪:‬‬                                            ‫تصادف «سفيتلا» الأرملة لاجئًا‬
                                                                         ‫أفريقيًّا‪ .‬تحاول في البداية تسليمه‬

                                                                             ‫للسلطات‪ ،‬ولكن القرية كانت‬
                                                                            ‫مشغولة بالقبض على مجموعة‬
                                                                          ‫كبيرة من اللاجئين القادمين من‬
                                                                           ‫أفغانستان وتسليمهم لمفوضية‬
                                                                         ‫اللاجئين‪ ،‬فتقرر الأرملة أن تبقي‬

                                                                                     ‫الأفريقى في منزلها‪.‬‬
                                                                             ‫لكن فقر الموارد والخوف من‬
                                                                              ‫اللاجئين الذين يشاركونهم‬
                                                                         ‫الموارد البسيطة يحرك العنصرية‪،‬‬
                                                                          ‫فيرفضون وجود الرجل الأسود‬
                                                                            ‫وينعتونه بصفات بذيئة‪ ،‬رغم‬
                                                                            ‫أنه طبيب ترك بلاده خو ًفا من‬
                                                                         ‫الحرب الدائرة فيها‪ .‬الخوف يدفع‬
                                                                         ‫البعض للهرب‪ ،‬والخوف يستدعي‬
                                                                             ‫التنمر والعنصرية‪ ،‬والخوف‬
                                                                            ‫يولد التعصب والعنف‪ ،‬تكسر‬

     ‫حوتان يجتمعان على الشاطئ‬
   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262