Page 254 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 254

‫العـدد ‪25‬‬                            ‫‪252‬‬

                                     ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

  ‫أكثرها‪ ،‬وطالما أن المواليد الجدد‬    ‫ولكن حرارة البحث والتطلع إلى‬           ‫تذكرناه ووعيناه في ليلة مايو‬
     ‫قادمون وما أعظم الثقة بهم‪،‬‬       ‫الجديد متأججة في أعماقنا‪ ،‬ولم‬         ‫‪ ..68‬ولكنها نفس الغالبية التي‬
                                      ‫يتعبنا المشي ولا الدوران حول‬         ‫بمجرى الزمن ومع السبعينيات‬
 ‫وطالما أن التاريخ دائ ًما في صالح‬   ‫نفس النقطة من الشوارع ليلتها‪.‬‬
 ‫تقدم العربة مهما كانت العثرات‪..‬‬                                              ‫قد اتسقت مع الجدد‪ ،‬وطب ًعا‬
                                          ‫ومضى كل ذلك حتى غدت‬                 ‫لا أقول أي الطرفين قد بادر‬
    ‫لذلك فالمستقبل قادم‪ ..‬قادم‪..‬‬        ‫حركة الشبان في السبعينيات‬          ‫بالاتساق مع الآخر‪ ،‬ولكن المهم‬
                         ‫قادم‪..‬‬       ‫كبطل جريح يجر أثماله المتربة‬         ‫أنهما قد اتسقا‪ ،‬ولنقل إنه صلح‬
                                        ‫بخطوات متثاقلة بعد أن ألقى‬           ‫السبعينيات‪ ،‬ويكفي أن نتذكر‬
                 ‫(تمت الأوراق)‬        ‫أسلحته تخفي ًفا لأحماله‪ ،‬فمشى‬          ‫أن بع ًضا من أئمة المناهضين‬
                                        ‫بين فلول قتلته دون حتى أن‬             ‫قد وصلت بهم السماحة إلى‬
      ‫كما يبدو لنا من سياق هذه‬        ‫يلتفتوا إليه بعد أن أمنوا جانبه‪،‬‬      ‫حد المسارعة والإسهام بالعمل‬
‫الأوراق وما ورد بها من تواريخ‪،‬‬                                              ‫كمساعدين لشبان من الجدد‪..‬‬
                                           ‫وكأنه منهم‪ ،‬وهو بجرحه‬         ‫وهذه وإن كان يتدخل فيها عنصر‬
   ‫أن مدكور ثابت كتبها أو انتهى‬         ‫هذا وبإلقائه السلاح قد صار‬         ‫التشغيل وإجبار ظروف الحياة‬
     ‫من كتابتها بعد مرور خمس‬          ‫بالفعل منهم‪ ،‬وهم لا يعبأون به‬           ‫وما يسمى بلقمة العيش‪ ،‬إلا‬
                                      ‫فرماحهم مستعدة لآخرين‪ .‬لمن‬           ‫أنه من ناحية أخرى بخصوص‬
 ‫سنوات على الأقل من ليلة عرض‬         ‫يظهر أو يطل برأسه من الفارين‬         ‫الجدد‪ :‬هو التصالح الفني‪ ،‬إذ قد‬
   ‫الأفلام الثلاثة‪ ،‬وربما بعد ذلك‬      ‫هر ًبا والذين ما زالوا مختبئين‬     ‫حل التناقض بين القديم والجديد‬
    ‫بفترة‪ .‬وبالرغم من قلة أفلام‬      ‫يتربصون اللحظة مع من ينضم‬            ‫لحساب رجعة إلى الوراء كشيمة‬
      ‫مدكور ثابت‪ ،‬إلا أنها تعتبر‬    ‫إليهم من المواليد الجدد الطاهرين‪،‬‬     ‫السبعينيات‪ ،‬وهي رجعة لا يمكن‬
                                     ‫وأحسبني‪-‬كاتب السطور– واحد‬             ‫وصفها إلا بالتخلف السينمائي‪،‬‬
‫علامات واضحة فى تاريخ السينما‬       ‫من الفارين المختبئين ترب ًصا‪ ،‬وإن‬        ‫وتلك هي كارثة ما انتهى إليه‬
    ‫التسجيلية والروائية فى مصر‬         ‫كان رمح الجروح قد أصابني‬             ‫جيلنا ولا أسميها كارثة للجيل‬
                                     ‫بخدش من خدوش السبعينيات‪،‬‬            ‫القديم فقط‪ .‬فقد قدم الجيل القديم‬
‫والعالم العربي ومن أبرز وأهم ما‬      ‫فغدوت كأبطال المآسي التمثيلية‪،‬‬      ‫ما في جعبته‪ ،‬وكان لها تقييمها في‬
                       ‫قدم بها‪.‬‬     ‫عندما قمت على نهج الآخرين مرة‬          ‫حينها وفي زمانها‪ ..‬أما أن يأتي‬
                                     ‫بتقديم سقطتي على المذبح قربا ًنا‬       ‫الجديد ويتدهور‪ .‬أو على الأقل‬
      ‫فهناك أفلام آخرى هامه له‬        ‫بفيلم اسمه «الولد الغبي»‪ ،‬وفي‬        ‫يقف عند مجرد ما قدمه القديم‬
   ‫مثل «على أرض سيناء» ‪،1975‬‬        ‫غبائه للحظة كانت السقطة‪ ،‬فكان‬           ‫ولا يستطيع أن يخطو خطوته‬
  ‫«الشمندورة والتمساح» ‪،1980‬‬         ‫خد ًشا لأنها مجرد لحظة‪ ،‬وأحمد‬            ‫فتلك بحق هي الكارثة‪ .‬وإني‬
                                    ‫الله أنها لم تدم وإلا كانت جر ًحا‪،‬‬     ‫لمعتذر لتعرضي لمثل هذا التقييم‬
     ‫“السماكين فى قطر” ‪.1985‬‬         ‫ولكن بعد الخدش والانتباه له لم‬        ‫الذي لا يدخل في نهج المذكرات‪،‬‬
 ‫والفيلم الروائي «صور ممنوعة»‬          ‫يكن بد من الهروب والاختباء‪.‬‬           ‫ولكن أجدني مضط ًّرا لمثل هذا‬
 ‫لنجيب محفوظ والذى تم عرضة‬                                               ‫التعقيب‪ ،‬إذ لم يكن ليدور بأذهاننا‬
  ‫فى ‪ ،1972‬وهو عبارة عن ثلاثة‬             ‫تما ًما كما تعلمنا في القتال‪،‬‬       ‫في تلك الليلة من مايو ‪ 68‬ما‬
  ‫أفلام تعرض على شريط واحد‪،‬‬           ‫نفس النوع من الدفاع السلبي‪،‬‬             ‫تنتهي إليه حركتنا الجديدة‪.‬‬
                                      ‫وهو الالتجاء إلى الخندق عندما‬      ‫في تلك الليلة رحنا نجوب شوارع‬
     ‫عن ثلاث قصص من إخراج‬             ‫تتواصل غارات صب المتفجرات‬
  ‫ثلاثة مخرجين‪ ،‬تناول كل منهم‬                                                   ‫وسط القاهرة بعد العرض‬
 ‫قصة من الثلاث‪ ،‬وهم محمد عبد‬             ‫والإسرائيلية منها على وجه‬          ‫نبحث في نقاشاتنا عن الطريق‪،‬‬
 ‫العزيز وأشرف فهمى فى فلميهما‬       ‫الخصوص بلا رحمة‪ ..‬ولكن طالما‬
   ‫«ممنوع» و «كان»‪ ،‬والاثنان فى‬
                                     ‫احتفظت النفوس بطهارتها‪ .‬وما‬
    ‫الاتجاه الواقعي التقليدي‪ .‬أما‬
 ‫فيلم مدكور ثابت “حكاية الأصل‬
 ‫والصورة فى إخراج قصة نجيب‬

   ‫محفوظ المسماة الصورة”‪ ،‬فقد‬
 ‫تعمق فى تجريبيته‪ .‬ويقول كمال‬

   ‫رمزى عن هذا الفيلم‪ ،‬إنه ربما‬
   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259