Page 75 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 75
73 إبداع ومبدعون
قصــة
أشرف الصباغ
أول الأرض وأول البحر
(نص)
فيكتوريا ،حيث دوران الترامواي أبو دورين ،وكلية ()1
فيكتوريا والڤلل الفخمة الهادئة وقسم الشرطة .وإذا
نحن السكندريون ،خيالنا واسع بوسع البحر المالح.
سرنا قلي ًل يمكن أن نشم رائحة البحر الذي يظهر لم ينافسنا فيه إلا البورسعيدية الذين جاؤا إلينا بعد
عند الأفقَ ،ع ْب َر أي من الحارات الكثيرة المؤدية إليه،
حرب .٦٧كنا نحكي لهم حكاياتنا ،فكانوا يحكون
ومنها يمكن أن نصل إلى سان ستيفانو أو سيدي لنا أقوى وأشد منها ،فنضحك ضحكات واسعة مثل
بشر .بحرنا له سحره ليس بذاته ،وإنما عبر تلك البحر ،وننقل عن بعضنا قص ًصا وتواريخ وبطولات
الحارات والشوارع المرصوفة بقوالب البازلت الأسود، وخوارق ،إلى أن وحدتنا الحكايات والخيال الواسع
النازلة في رسوخ وثقة نحو ذلك الفضاء الواسع
الذي يضم اليابسة والماء والسماء في مستوى واحد والمياه المالحة والسمسمية ورقصات البمبوطية،
تقريبًا .بعد سنوات طويلة ،عندما بدأنا نزور الضفة والسباحة حتى البراميل ،والتنافس في صيد السمك
الأخرى من البحر ،رأينا نفس الشوارع والحواري
وطهيه.
في المدن الساحلية في اليونان وإيطاليا وفرنسا لا ندري بالضبط ماذا حدث .فالمسألة بدأت حتى قبل
وقبرص وتركيا ،وكأنها امتداد لنفس حوارينا وأزقتنا
مجيء مهاجري القنال بعد الهزيمة .كل ما في الأمر
وشوارعنا في الإسكندرية. أننا استيقظنا في منتصف خمسينيات القرن العشرين،
من القصعي أي ًضا ،كنا ننعطف من أي شارع رئيسي
فوجدنا قوافل من الفلاحين والصعايدة تتوافد علينا
لنتجه إلى كوبري “أبو سرحة” .وإذا سرنا قلي ًل في لتحل محل الأرمن واليهود والإيطاليين واليونانيين
نفس الشارع ،يمكننا أن ننعطف إلى كوبري الساعة الذين انقرضوا تقريبًا بحلول منتصف الستينيات .لم
ومنه إلى أرض شماعة التي سار مصيرها على نفس يبق منهم سوى عجائز قليلون رفضوا دعوات أبنائهم
طريق مصائر كل أراضي ومناطق مصر البراح التي وأقاربهم وظلوا في المكان الذي ولدوا فيه أ ًّبا عن جد.
صارت مناطق عشوائية فاختلط فيها الدين بالتاريخ
بالسحر والجهل والشعوذة ،واختلطت فيها الجغرافيا فضلوا أن يدفنوا هنا إلى جوار آبائهم وأجدادهم،
بينما الأبناء غادروا البلد مع ظهور أول فرصة،
بالفوضى بالعنف والفقر والقهر .أرض شماعة لا تاركين فرا ًغا ملأه الوافدون من محافظات الصعيد،
تشبه أي شيء سوى الفراغ .كانوا يعولون في مطلع
ستينيات القرن العشرين على أرض شماعة وغيرها ومحافظات وسط الدلتا ،وبالذات المنوفية.
من أجل معمار جديد منظم ،وبشر جدد في منظومة منطقة ال ُق َص ِعي لا تقل في مركزيتها وأهميتها عن
إنسانية تراعي الاحتياجات الأساسية للبشر ،وتعدهم محطة الرمل .فمن القصعي يمكننا أن نذهب إلى
مناطق وأحياء لا حصر لها .يمكننا أن نتوجه إلى