Page 77 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 77
75 إبداع ومبدعون
قصــة
الخارجية ،يتجهن نحو المياه ،تتردد أنفاسهن بسرعة نسمع صوت البحر ،ونتوحد في مواجهة النوات.
إلى أن تضبط إيقاعها مع صوت الأمواج ،وتتعالى عندما نتحدث عن الإسكندرية ،لا يمكن أن ينتهي
أصواتهن بالمزاح والكلمات الكثيرة التي لم يكن الحديث ،لأنها تفتح شرايينها وأوردتها على الفضاء
يفهمها الصغار أو يلقون لها با ًل .كانت بعضهن
والماء واليابسة ،وكأنها أول أرض التي َو َل َد ْت
يخلعن ثيابهن بالكامل في البحر ،وتتعالى الضحكات الأراضي الأخرى وبسطتها لكل الناس من كل جنس
والصراخ ،بينما الأطفال يستعدون لتحديد مناطق
النفوذ وتعيين الحدود بين القصور والمراكب التي ولون وملة .ولكننا إلى الآن لا ندري ماذا حدث
سيبنونها على مدار اليوم .وعندما تبدأ أولى أشعة بالضبط! ربما يكون مفعول اليود قد ذهب بذلك الجزء
الشمس في التلصص على أجساد نسائنا الحلوة
المشدودة ،يظهر الرجال من بعيد حاملين أكيا ًسا المتيقظ من الدماغ .وربما لأسباب أخرى ستظل س ًّرا
وحقائب ،وربما قف ًفا ،وشماسي .ويتواصل العيد إلى الأبد ،مثل أسباب ضياع كل شيء ،وتشوه كل
الذي يمتد إلى ما قبل غروب الشمس بقليل .ومع
انسحاب قرص الشمس ،وغرقه بعي ًدا في البحر، شيء ،وانهيار كل شيء ،ونسيان كل شيء .إنه الفقد
يبدأ الرجال بلملمة زجاجات البيرة الفارغة ،وإنزال بكل معانيه وأبعاده المقيتة والتي يصل فيها إلى حد
فقدان الروح.
الشماسي ،وتبادل الضحكات والنكات .وتبدأ مباراة
أخرى أبطالها كل الذين كانوا موجودين رجا ًل ونسا ًء، للإسكندرية وجه آخر يمكن أن تراه في بعض الأحياء
والمناطق الفخمة بمبانيها الضخمة ذات الطرازات
ويبدأ الحكي والانطباعات ،وبين الحين والآخر،
تهمس النساء ضاحكات بما لا يرغبن أن يسمعه أو المعمارية المتوسطية .وإذا استثنينا المتاحف وخطوط
يعرفه الرجال ،فتعلو الضحكات الخبيثة والقفشات التاريخ وخطواته وتضاريسه وخلوده ،وخلود أرواح
والدعابات وتمتد خيوط سلام وبهجة وفرح تفترش من سكنوا فيه وس َّطروه ،سنجد أمامنا فخامة راسخة
الأرض تحت أرواحهن وخطواتهن. وواثقة وهادئة سكنت ذلك المستوى الإنساني الذي
ماذا حدث بالضبط؟! لا أحد يدري! لقد استيقظنا ذات لم يذهب بعي ًدا أب ًدا عن رحاب الإسكندرية وروحها
صباح ،فإذا الشمس غائبة ،والقمر غائب ،وملامحنا الحميمة وحضورها الطاغي التي صهرت جميع
غائبة ،والبحر غاضب ،ووحوش سوداء كاسرة أعراق المتوسط ووحدت حتى ملامحها وردود أفعالها
تحجب الهواء ،وتغلق النوافذ والأبواب.
واستجاباتها الشرطية البسيطة في الحياة اليومية.
()2 البحر يوحد الجميع .كل الفضاء لنا ،ما عدا المنتزه:
لا حلم أبدي ،ولا واقع أزلي .ها أنا أصحو من حلمي قالوا إن القصر أصبح تاب ًعا للرئاسة ،وشواطئه
على وجه عزيزة وسمية في طابور الصباح .تنظر لى للمسؤولين وأبنائهم وللضيوف الأجانب ،بعد أن كان
عزيزة وكأنني خرجت لها للتو من البحر في الأحلام.
تبتسم وتلكز سمية التي تتجاهلني تما ًما وتتصنع للملك وأعوانه وحاشيته وأقاربه وضيوفه .وقالوا
الجدية والانتباه والذوبان في صوت الواد بلبل ابن أي ًضا إن القصر به أماكن وأهداف سرية لا يسمح
للمدنيين بالاقتراب منها .ومع ذلك كانوا يضعون
الملعونة الذي يدير إذاعة طابور الصباح.
بلبل الملعون هو معبود البنات في مدرسة «الجيل القصر وشواطئه ضمن برامج رحلات المدارس
الجديد» ،تحبه المدرسات ويدللنه ،ويحترمه المدرسون والجامعات ،ومعسكرات الكشافة .بالضبط مثل
ويشجعونه .في عيد الأم يغدو ملك المدرسة ورئيسها
وأمير الفصول وصوت عبد الحليم حافظ وأم كلثوم. معسكرات الكشافة والرحلات في أبي قير.
ابن الملعونة عاطفي ورومانسي ويقلد أصواتهم كانت بقية الإسكندرية لأبنائها من كل جنس ولون
وملة ،حيث النصف الثاني من يوم الخميس ،كل
أسبوع ،يش ِّكل بداية العيد :النساء يطبخن حتى
أوقات متأخرة ويجهزن المايوهات للصغار ،والرجال
يجهزون السلطات ويشوون السمك .وقبل أن يظهر
الخيط الأبيض من الخيط الأسود ،تكون النساء قد
انطلقن في قوافل طويلة بصحبة الأطفال نحو البحر.
وهنا يبدأ عيدنا الأسبوعي .تخلع النساء ثيابهن