Page 35 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 35

‫‪33‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                       ‫العمياء»‪( .‬مزيد‪)2018 ،‬‬         ‫الابتعاد عن الحدث‪ ،‬وهو مطلب يخ ّص الشاعر‬
‫شعر س ّلم شعر كوني إنساني لا يح ّده مكان ولا‬         ‫والمتل ّقي م ًعا‪ ،‬بحيث يبقى الحدث فكرة تاريخية‬

  ‫يحيط به زمان‪ ،‬من «غراب ناعق» إلى تيريزياس‬            ‫وتظ ّل للنصوص القدرة على الكلام والحديث‬
   ‫الأعمي وتحوت الكاتب في نهاية (أرعى الشياه‬       ‫للمتل ّقي بصيغة الحاضر خارج الوظيفة التاريخية‬
‫على المياه)‪ ،‬سياحة ح ّرة بين الأساطير والحكايات‬
                                                       ‫أو العاطفية‪ .‬كيف يكون الابتعاد عن الحدث؟‬
     ‫والرموز والنّصوص‪ ،‬من إيزيس إلى الراعي‬        ‫والكلام ما زال للصكر (صص‪ ،)54 -53‬والأمثلة‬
    ‫الأعمى‪ ،‬مرو ًرا بق ّصة نوح عليه السلام وأهل‬  ‫من قصيدة (فاطمة) من ديوان (إلى النّهار الماضي)‪.‬‬
‫الكهف والفاروق عمر ومعاوية والفردوس المفقود‬
‫والأرض الخراب وجودو الذي لا يأتي‪ ،‬على سبيل‬           ‫يحدث الابتعاد بين الحدث والقصيدة من خلال‬
                                                   ‫دمج الأسطورة والرمز‪« :‬لم تولد من رحم‪ ،‬سرب‬
                            ‫التمثيل لا الحصر‪.‬‬
                                                       ‫أساطير غائرة‪ ،‬غيمة تهطل المن والسلوى على‬
    ‫هامش ختامي‬                                       ‫الأقربين‪ ،‬وفي يديها شغف بائن ينمو فتطعمني‬
                                                   ‫فينمو‪ ،‬من أين جئ ُت إليها؟ من حديد تقطر الحنّاء‬
                ‫بتص ّرف يسير من مزيد (‪)2018‬‬         ‫على وجهي ك ّل صباح كأ ّنني تميمتها أو طوطمها‬
‫كيف يكون «ارتوا ٌء من طوفان»؟ كيف يكون ارتوا ٌء‬
                                                       ‫البر ّي»‪ .‬وإعلاء قدر اليومي والعادي والدارج‬
 ‫من قصائد رفعت س ّلم؟ وماذا يجني القارئ من‬             ‫إلى مقام الشعر‪ ،‬أو أسطرته‪ ،‬إذا جاز التعبير‪:‬‬
                                                        ‫«يدي امتداد جلبابها القروي‪ ،‬تقول للنهر أنا‬
                                                     ‫أ ّمك‪ ،‬وللأشجار والأيام انتم أرانبي الصغيرة»‪.‬‬
                                                    ‫ومن خلال انتزاع مقاطع من الواقع من سياقها‬
                                                       ‫لا بغرض رصد الواقع بل بغرض خلق الأثر‬

                                                         ‫والإحساس به‪« :‬تص ُّب ل َي الحلب َة بالحلم في‬
                                                    ‫صبحي المدرسي‪ ،‬صباح الخير»‪ .‬ورصد حالات‬
                                                    ‫تش ّكل الواقع واستكناه عواقبه‪« :‬من أين ي ّصاع ُد‬
                                                  ‫الغنا ُء؟ من قرا ِر الأر ِض أم من غيم ٍة عابرة؟»‪ .‬وقد‬
                                                   ‫يحدث من خلال إيقاف الحدث كلحظة زمنيّة ذات‬

                                                      ‫أثر وخلق صيرورة مشابهة في التاريخ البعيد‬
                                                      ‫أو القريب‪ ،‬أو استحضار ال ّذات كمف ّجر للنص‬
                                                       ‫وترتيب الصلة بالحدث على أساس ذلك لكيلا‬
                                                      ‫يدور ك ّل شيء خارج ال ّذات والنص م ًعا‪ ،‬وعن‬
                                                   ‫طريق السخرية وملاطفة الحدث بتو ّهمات ورؤى‬
                                                   ‫أذاضتر ُبد ُلهاملاباتل ُّبطعويدبة‪:‬وأ«لحما ّرذا ُ َيضزالَحل َهُمنعيلىالأقتغلرهام ُبأ فجيمهعاي؟ن‬
                                                      ‫(سأبكي عليهم قلي ًل‪ ،‬ثم أنسى)»‪ .‬والاستعانة‬
                                                   ‫بال ّسرد والرؤية المجهر ّية‪ ،‬ومن ذلك تكبير جزئية‬
                                                 ‫من الحدث نصيًّا‪ ،‬عن طريق التمثّل والسفر الح ّر في‬
                                                  ‫التاريخ‪« :‬تخل ُق الأعيا َد من َع َدم‪ ،‬تجي ُء لها بالثيا ِب‬
                                                       ‫الجديد ِة والكعك‪ ،‬تطلقني إلى البيوت بالملابس‬
                                                       ‫المل ّونة‪ ،‬أو ّزعها بهج ًة تضي ُء قنادي َل الظلام‪..‬‬
                                                     ‫غناؤها با ٌب لأسرا ِب العصافير‪ ..‬والسري ُر باح ُة‬
                                                  ‫مباح ٌة للقادم ك ّل خميس بأزراره اللامعة وجزمته‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40