Page 36 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 36

‫العـدد ‪26‬‬    ‫‪34‬‬

                                                         ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

‫َتب َل قصائد «المراهقة» عندما يجاو ُز القار ُئ حدود‬        ‫قراءة شعره‪ ،‬إذا صبر على قراءته إلى النهاية ولم‬
‫المراهقة‪ ،‬ويخبو أثر قصائد الإيقاع عندما تصمت‬                  ‫يسأم التفاصيل‪ ،‬ولم يختنق في كثافة الصور؟‬

 ‫الموسيقى‪ ،‬ويزول ال َخ َد ُر الذي ُيحدثه الغناء‪،‬‬            ‫قراءة قصيدة تقليد ّية سهلة قد تسلم القارئ إلى‬
‫وتضطر القصائد المعتمة المفرطة في الغموض‪،‬‬                 ‫الملل‪ ،‬وقراءة قصيدة موغلة في الصعوبة والغموض‬
‫والقصائد السهلة المباشرة القارئ إلى مل ٍل أو‬              ‫قد تنتهي به إلى النّفور‪ .‬قصائد رفعت س ّلم سر ٌد‬
   ‫نفو ٍر كام ٍل ُمكتمل‪ ،‬وتفقد الاستعارات والتعابير‬
‫المكرورة به َجتها وأثرها بالألفة والتّمادي والابتذال‪،‬‬         ‫يشبه ال ّشعر‪ ،‬في تكثيفه واستعاراته ومجازاته‬
‫وتح ّرض المبالغات الشعر ّية وشعر الوصايا‬                  ‫ولغته المشحونة‪ ،‬وشع ٌر يشبه ال ّسرد‪ ،‬في هيئته في‬
‫والمواعظ الأجيال الجديدة على القلش (الذي‬                 ‫مواضع كثيرة‪ ،‬وفي حكايات حقيقيّة وكنائيّة في ك ّل‬
                                                         ‫موضع في القصائد‪ .‬تلك الفقرات التي تخلب الألباب‬
‫صار «أل ًشا» على ألسنة أهل المدينة)‪ ،‬والسخرية‬
                                                              ‫وتحفز الحواس في الروايات الكبرى أين يكمن‬
‫والاستخفاف‪ ،‬ويفقد ال ّسرد جاذبيّته عندما يعرف‬             ‫سحرها؟ ما الذي يثير ويأسر فيها؟ لأ ّنها «فقرات‬
‫القارئ «الحكاية» و»النهاية»‪.‬‬                             ‫شعر ّية»‪ ،‬فيها إيقاع وموسيقى تتس ّرب إلى الوجدان‬
‫ك ّل ما سبق ينتهي إلى َكسل العق ِل و ُخمول ال ّروح‪،‬‬        ‫من غير استئذان‪ ،‬وحكاية إنسانية ‪-‬ميلا ٌد ومو ٌت‬
    ‫في «طمأنينة» تشبه «لي ًل موطو ًءا»‪ ،‬فلا «أر ٌق‬
 ‫يرفرف في سماء القلب»‪ ،‬ولا «بر ٌق يش ُّق صد ُر‬               ‫وح ّب وحر ٌب وسج ٌن وسفر‪ -‬وتو ّتر‪ ،‬وغموض‬
‫ال َّس ِكي َنة» (إلى النّهار الماضي‪ :‬الصوت)‪ ،‬ولا «لغ ٌة‬     ‫وتكثيف‪ ،‬ومجاز‪ .‬هذه الفقرة الشعرية التي تفتن‬
‫بصير ٌة تقو ُد –دائ ًما‪ -‬إلى المجاهل والمتاهات الغافية»‬  ‫القارئ في رواية تمت ّد وتتسع لتصبح قصيدة كاملة‬
‫(منية شبين)‪ .‬يأس ُن ما ُء ال ّشعر بال ّركود‪ ،‬وتشح ُب‬       ‫عند رفعت س ّلم‪ ،‬ولع ّل القارئ لا يصبر على بقاء‬
‫المشاع ُر بالألفة فتنتهي إلى الخمول‪ ،‬وتفقد القصائد‬       ‫حوا ّسه مستنفرة يقظة متو ّثبة طوال الوقت‪ ،‬ويؤثر‬
  ‫‪-‬في غالب الأحوال‪ -‬بهج َتها وقد ُصبّت في قوال َب‬
‫متو ّقعة‪ ،‬سابقة التجهيز‪ ،‬ووقعت في براثن «السائد‪،‬‬                                 ‫أن يكون ذلك على فترات‪.‬‬
‫الرائج‪ ،‬المستباح»‪ -‬بعبارة س ّلم نفسه في كلامه‬             ‫سوف تجد في قصائد س ّلم المتعة والمنفعة ‪dulce‬‬
‫عن مجلّة (إضاءة) على صفحة (رفعت س ّلم‪:‬‬
                                                            ‫‪ ،et utile‬ح ّد الشعر الذي ق ّرره هوراس في (ف ّن‬
                               ‫النهار الآتي)‪.‬‬                ‫الشعر)‪ ،‬متعة الإيقاع والمجاز واللغة المبهرة في‬
‫في قصائد رفعت س ّلم ك ُّل ما ألفت عيناك وأذناك‬                ‫تعالقها الفريد مع الصورة والمشهد والشعور‪،‬‬
‫من مباهج ال ّشعر ومفاتنه ومنافعه‪ ،‬وفيها قي ٌم‬
 ‫الدراسة قد نبّه ْت إلى بعضها‬  ‫« ُمضافة»‪ ،‬لع ّل هذه‬             ‫ومتعة القصص والحكايات التي تتقاطع مع‬
‫يحول بين قصائد س ّلم وبين‬      ‫أو ن ّوه ْت به‪ .‬وليس‬          ‫ذكرياتنا‪ ،‬وآلامنا‪ ،‬وآمالنا‪ ،‬ومآزقنا‪ ،‬وصبواتنا‪،‬‬
‫استساغة القارئ واستحسانه إ ّل ما يسربل شعر‬                  ‫وصباباتنا‪ ،‬ومنافع لغو ّية ونفسيّة وعقليّة كثيرة‬
                                                              ‫وفيرة‪ .‬مفردا ٌت تتن ّقل من سياق إلى سياق‪ ،‬في‬
‫الحداثة من أوهام وأفكار مغلوطة‪ ،‬ومخاوف غير‬                  ‫بلاغة نادرة‪ ،‬واستعارات طازجة يعاينها القارئ‬

‫مب ّررة‪ ،‬وشائعات ير ّوجها كارهوه‪ ،‬مع تقصير‬                     ‫وهي تتش ّكل أمام عينيه‪« ،‬نائمة في الذاكرة»‪،‬‬
‫وتخاذل من جهة القائمين على تعليم الأجيال‬                     ‫«والعينان نافذتان» وتراكيب لم يألفها تح ّرضه‬
‫الجديدة وتثقيفها‪ .‬رفعت س ّلم ‪-‬كما يظهر في‬                   ‫على التفكير والجرأة‪ ،‬وتأخذه إلى فضاءات لغو ّية‬
‫ديوانه (إلى النّهار الماضي)‪ -‬فص ٌل مه ٌّم من فصول‬          ‫لم يرتدها من قبل‪ ،‬وتاريخ على جدران القصيدة‪،‬‬
‫كتاب الشعر العربي الكبير الزاخر العريق ينبغي ألا‬
                                                                  ‫وإحالات إلى تواريخ وشخصيّات وأحداث‬
‫تفوت الأجيال الجديدة مطالعته‬                                ‫ونصوص‪ ،‬منها الثور الب ّر ّي الذي على ك ّل جدار‪،‬‬
                                                           ‫و»الثّور الأبيض» الذي أُ ِكل‪ ،‬ليكون مق ّدمة لتاريخ‬

                                                                                   ‫من قتل الثيران وأكلها‪.‬‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41