Page 33 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 33

‫‪31‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫في (إلى النّهار الماضي) ‪-‬وقصيدة النّثر في بعض‬                 ‫ليس في الديوان قصائد منفصلة‪ ،‬لك ّن فيه صو ًرا‬
       ‫تعريفاتها «تربي ُع دائرة» (ليمان‪-)2003 ،‬‬                     ‫تتك ّرر‪ ،‬وعبارات مموسقة‪ ،‬وجناس استهلال‬

  ‫واحتشاد الاستعارات‪ ،‬وصور تعاود الظهور هنا‬                     ‫وجناس تقليدي‪ ،‬وسجع ‪»-‬لا بأس أ ّيها اليأس»‪،‬‬
     ‫وهناك‪ ،‬يريد القارئ أن يعود ليعاين ظهورها‬                   ‫و»بلا أنين أو حنين»‪ -‬ورموز تتر ّدد هنا وهناك‪،‬‬
                                                                 ‫وعبارات مركز ّية تنفصل عن النّص بخ ّط مغاير‪،‬‬
‫الأول‪ ،‬فلا يجد إلى ذلك سبي ًل‪ :‬يعود «الجمل المجنّح‬             ‫وتنتقل من المتن إلى الهامش‪ ،‬ولافتات تقطع النّص‬
   ‫والأحصنة الملونة»‪ ،‬وتعود «الخيمة» و»الشمس»‬                    ‫وتتقاطع معه‪ .‬تلك مرافئ تنقذ المتل ّقي من الغرق‬

 ‫و»العصافير»‪ ،‬وتعود الأم ذات السبعة آلاف سنة‪،‬‬                      ‫في الصور والتفاصيل‪ .‬أرض «خراب» وأرض‬
  ‫ويصير خيط ال ّدم والياسمين «فضاء أو ريشة في‬                      ‫«كاسدة»‪ ،‬أو أرض «تائهة»‪ ،‬لا أمام ولا وراء‪،‬‬
                                                                  ‫وغربان‪ ،‬وتماسيح من النّيل «تقتنص الما ّرين»‪،‬‬
   ‫جناح ُقبّرة»‪ ،‬لكنّه يبقى واص ًل متّص ًل‪« ،‬خيطي‬                ‫وصقور «دامية» تح ّط على الرؤوس في الصباح‪،‬‬
     ‫لك ممدودة حتّى الحا ّفة‪ ،‬اقفز كما تبغي‪ ،‬يدي‬                   ‫وغريق يتعلّق بق ّشة‪ ،‬يتعلّق بال ّشعر‪ ،‬ولحظات‬
                                     ‫مبسوطة»‪.‬‬
                                                                     ‫«كظيمة» و»ضائعة» ولحظات «منتحلة»‪ ،‬أو‬
    ‫ملامح وسمات‬                                                    ‫«ماكرة»‪ ،‬وأخرى «منطفئة»‪ ،‬وأخرى «حالكة»‪،‬‬

      ‫من يفت ُح البا َب لقطعا ِن الظلام تقض ُم أعشا َب‬                 ‫«شائكة»‪ ،‬وامرأة «واهية» أو «رهينة»‪ ،‬أو‬
 ‫السكينة‪ ،‬أ ّيها الزم ُن الساب ُق‪َ ِ ،‬ل َخ َدع َتني؟ (غريبة)‬     ‫«مرتجلة»‪ ،‬أو «جاهلة بالأبجد ّية»‪ ،‬أو «امرأة من‬

     ‫الغرق سمة مائزة في قصائد رفعت س ّلم‪ .‬في‬                        ‫عجين»‪ .‬وغزالة «حائرة»‪« ،‬عاثرة»‪« ،‬انتظر ُت‬
   ‫(بولاقيّة) من (إلى النهار الماضي)‪ ،‬تنتحر اللغات‬            ‫الشفق‪ ،‬فجاء الغسق‪ /‬انتظر ُت ال َح َبق‪ ،‬فجاء الأرق»‬
    ‫وتشتجر الشهوات‪ ،‬وتتداخل الأصوات حتّى لا‬                   ‫(ص‪ ،)18‬سماء من قلق‪ ،‬و»طيور من قصدير»‪ .‬ولا‬
   ‫يبين المتكلّم من المستمع‪ ،‬ويرتقي المشهد إلى أعلى‬
                                                                 ‫تزال نصوص الآخرين‪ ،‬والإحالات إليهم وإليها‪،‬‬
      ‫درجات الإشراق‪ ،‬وتتج ّل استعارات الشهوة‬                  ‫تتر ّدد في أرجاء الديوان ‪»-‬لم الجمال مشيها وئيدا؟‬
     ‫والرغبة الجنسيّة‪ ،‬في «ليلة دخلة»‪ ،‬خلف أقنعة‬               ‫أجند ًل يحملن أم حديدا؟ بل ال ّرجال ر ّك ًعا سجودا»‬
‫شتّى‪ ،‬غريبة قريبة‪ ،‬معتمة شفيفة‪ :‬حرارة وسخونة‬
   ‫حتّى اللهب الذي لا ينطفي‪ ،‬وجوع وعطش ونهم‬                        ‫(ص‪ -)13‬تنويع على رجز لل ّزباء‪ ،‬وتنويع على‬
   ‫لا يرتوي‪ ،‬وزراعة ومطر يهمي‪ ،‬طوفا ٌن‪ ،‬وحر ٌث‬                ‫تنويع أمل دنقل وهو يكتب مخاطبًا الع ّرافة المق ّدسة‬

        ‫وحر ٌب‪ /‬منازلة حتّى «الاحتضار الحميم»‪،‬‬                  ‫زرقاء اليمامة في (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)‬
    ‫صعو ٌد وارتقا ٌء وكش ٌف وجنون‪« :‬أين الصرخة‬                  ‫«أسائل الر ّكع السجودا»‪ .‬يقف النحويون عند ما‬
   ‫الأنثوية؟»‪« ،‬لم يكن ِخنج ًرا‪ ،‬وكان الباب مفتو ًحا‬           ‫رجز ال ّزباء من شواهد نحو ّية لك ّن أح ًدا لا يستعيد‬
                                                                ‫ق ّصة ال ّزباء والخيانة التي أنهت دولتها وحياتها‪،‬‬
      ‫َبلي ًل‪ ،‬فانزلقت‪ ،‬ساح ٌة من بخور وابتهالات»‪،‬‬
  ‫«ندى طفيف‪ ،‬موج ٌة تصع ُد بي فاهبط موغ ًل‪ ،‬آه ٌة‬                    ‫ولا قصة أمل دنقل والخيانة التي انتهت إلى‬
                                                               ‫نكسات‪ ،‬ولا ق ّصة س ّلم والخيانات القريبة عاينها‬
    ‫غامضة»‪« ،‬ج ّرة ف ّخار تكسرها القطرة الأولى»‪،‬‬
   ‫«مرأة براح‪ ،‬تفتح بي وقتها واشتعال الزعفران‪،‬‬                                                 ‫وعاشها قراؤه‪.‬‬
                                                                  ‫يختلط ال ّسرد بالغناء الشج ّي‪ ،‬والذكريات بتيار‬
      ‫تقول خذ دمي الهباء»‪« ،‬فاهطل كما تبغي على‬                  ‫الوعي والتو ّهمات والأحلام ‪-‬فالقصيدة في كثير‬
   ‫عطشي‪ ،‬تم ًرا وياسمينا»‪ ،‬أنا القتيلة الليليّة ضاق‬            ‫من جوانبها‪ ،‬سر ُد ُح ْلم‪ ،‬سر ٌد ُيشبه ال ُح ْلم ‪dream‬‬

      ‫بي شبقي»‪« ،‬صرا ٌخ ناف ٌر طاف ٌر كيف أطعمه»‪،‬‬                    ‫‪ -narrative‬مع الالتفات الذي لا ينتهي ولا‬
 ‫«مطر من ياسمين أو ماء حبهان‪ ،‬لي َت ُه كان ِخنج ًرا‬              ‫يستق ّر بين الضمائر وجهات (ووجهات) النَّظر‪،‬‬
 ‫يغوص لا يلوي‪ ،‬فيحرثني إلى القاع المضاع‪ ،‬فينبت‬                    ‫واختلاط الأصوات بالأصوات‪ ،‬بالأصداء‪ ،‬ومع‬
 ‫الصفصاف‪ ،‬تشتعل الحقول بقمحها»‪« ،‬أنا الوليم ُة‬                   ‫تزايد الاغتراب المتبادل بين المتكلّم وذاته وعالمه‪،‬‬
‫الراضية‪ُ ،‬كلوني»‪َ « ،‬أ َب ٌد من ال ّسعار المستكين»‪« ،‬كلّما‬    ‫ومع استمرار كتلة النّ ّص المصمتة المر ّبعة خصو ًصا‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38