Page 31 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 31
29 الرائد ،شاعر القبيلة ،وتارة ينهار إلى ه ّوة
من ضياع واغتراب ،يحتفل بهزيمته ،بل
لا تغادر قصائد سّلم في مجملها الإيقاع
يبحث عن هزيمة أخيرة .تارة «أنا» تليق
الظاهر والقوالب سابقة التجهيز لقّلة بقصيدة غنائية ،وتارة ذوات تتش ّظى وتتفتّت
إحكام أو قّلة إتقان ،لكن لأ ّن ماء ال ّشعر
وغياب في الحضور .وفي الشوارع مخلوقات
إذا لم يتحّرك يأسن ،ولأ ّن الصوت المتفّرد
لا ينبغي له أن يكون محض صدى .ومع «وهميّة» تهرول «بلا هدى».
فرادتها ،لا تخلو القصائد مما يميز ال ّشعر تجتهد القصيدة كذلك أن تكون ،بعبارة
الجميل كما يذهب الجاحظ في (البيان أرشيبولد ماكليش ،لا أن تقف عن ح ّد
الدلالة الثابتة النهائيّة المطلقة .تكون جغرافيا
والتبيين) ،من "ألفاظ متخَّيرة" "عذبة"، وتاري ًخا ،وتكون حدو ًدا وتخو ًما على
و"معان منت َخبة" ،و"مخارج َسهلة" ،و"طبع الصفحة ،ومتنًا وهوامش ،ولغة ،ولغة عن
متم ِّكن" و" َسبك ج ِّيد" ،و"ما ٌء ورونق"، اللغة ،عن «قصائد النثر الرديئة» ،وتعبي ًرا
ويخفت، صوتها بياكلبلفرظخوّطتهعابيو ًريا بصغغيرر،ه،وييبعلروز
وينزوي بعضها
بعضها ،وتلتقي فيها كائنات ،وآثار أقدام،
وآلهة قديمة نزلت من سماواتها .وفيها
ينطوي عالم الأدب الأكبر من نثر وسرد
من نصوص تشير إلى ال ّشعر ،وإلى الإلهام ،وإلى ونظم ،يستسلم لفتنة الإيقاع الخارجي تارة،
ويغادرها تارة إلى إيقاع داخلي عميق .وتظ ّل
الغناء .رحل أورفيوس إلى العالم السفلي يسعى القصيدة تحتفظ بسمات ال ّشعر الأصيلة من صياغة
لاسترجاع زوجه يوريديسي .تو ّسل إلى بيرسفوني وتأليف وعتمة دلاليّة شفيفة وتكرار وترميز،
وحادس -وهي في الإنجليزية هيديز -لعل قلبيهما
ير ّقان لحاله ،فر ّقا ورضيا أن تعود يوريديسي واجتماع ما ُيسمع من سجع وجناس وما إليهما،
إلى ما ُيرى من هندسة الكلمات على الصفحة
مع أورفيوس إلى الأرض ،على أن يسير أمامها ولا البيضاء ،إلى ما ُيستوعب و ُيتأ ّمل من أفكار( .أرعى
ينظر وراءه أب ًدا .فعل أورفيوس ما أُ ِمر به ،إلى أن
صعد على سطح الأرض ،ولمّا تصعد يوريديسي، الشياه على المياه ص)83
فغلبته لهفته وغلبه قلقه فنظر وراءه ،فهوت ن ّص -لافتة
واختفت إلى غير رجعة. في هذا النّ ّص -اللافتة ،المعلّق أعلى يسار إحدى
صفحات الديوان .ما يستلزم نق ًدا أسطور ًّيا
الأسواق» صدى وفي «حج ًرا من ملح يسعى في
ال َّط َعا َم َو َي ْم ِشي اأُلن َّرِز َُلس إِو َل ِْيل ِه َي ْأَم َُلك ٌُلك َٰه َذا « َو َقا ُلوا َما ِل ومما يلفت النّظر فيه تقاطع النّص مع أسطورة
َل ْو َل ِف ا ْ َل ْس َوا ِق أورفيوس /ومع ق ّصة سيّدنا لوط .في سورة
َف َي ُكو َن َم َع ُه
َن ِذي ًرا» (الفرقان .)7 :النبي بشر ،والشاعر بشر، اَ(ف َْأمه َرْ َأوس َتدِر َ)كِ :بإَِأ«َّنْهَُهقلِا َُلُكموا ِبِ ِصقَيياْطُب َُلٍعهاو ِمَُطم َانإِ َأاَّنال َلَّ ْيُصرا ِلَبُسُهَوُْلملاإَِر ََّيِّبن ْل ََتكَمِف َْلوْ ْت ِنع َدَِمي ُْنه ُُِكمص ْملُالوَأا َ ُّإحِصَلٌدْبْيإَُِحكَّل
وأورفيوس بشر ،وقليل من البشر من يستطيعون َأ َل ْي َس ال ُّص ْب ُح ِب َق ِري ٍب”( .الآية )81
الصبر على اللهفة وغياب الأحبّة وما لم يحيطوا كان أورفيوس موسيقيًّا بار ًعا يخلب ألباب الكائنات
به خبرا -ولنا في نبي الله موسى مع الخضر ويح ّرك الصخور والأحجار والأشجار بعزفه .تلك
عبرة -وعلى الغضب والقلق .عقوبة قلّة الصبر مرح الشخصيّة التي تتر ّدد أصداؤها فيما لا حصر له
ظاهر ،وقلق باطن لا يريم ،وحرمان ولهفة جديدة
لا تنقطع« :رأسي ع ّش للغربان /وأعضائي حيّات
تهفو للجحر».