Page 27 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 27
25 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ما كان له أن يفعل هذا من قبل. من سمات هذا الشعر المه ّمة ،سمات لا تنكرها
كان المشهد سل ًفا منصو ًبا- تلك القصائد ،ولا تطلب البراءة منها .مكابدة لها
يتر ّدمه الشعراء،
وكان ال ّشاعر ك َّرا ًرا ج َّرا ًرا ثمراتها ،وصعوبة لها أسبابها وتفسيراتها.
يقرأ من ن ّص مخطوط سل ًفا. أ ّما اليقين الذي كان يستريح إليه قار ُئ القصيدة
ث ّم تغيّر ذاك المسرح ،ذاك المشهد التقليد ّية ،فلم يعد ُممكنًا ولا ُمبا ًحا وهو يطالع
ما عاد الماضي إلا تذكا ًرا. قصيدة حداثيّة ،فالشاعر نفسه أصبح في موقف
وجودي ُمر ِبك و ُمرتبك ،يصارع الانهيار والتش ّظي،
(من قصيدة «عن الشعر الحديث» ،والاس ذواالتاهغفتيراربك،امو السققرووطنا،لأحسزاينطايلر،ك ّلحامئا ًرايعيابيحنثوعحدنه،
ستيفينز) وما يعاني ،في ذلك الزحام المجنون -زحام المدن،
وزحام البشر ،وزحام النصوص ،وزحام الوسائط
The poem of the mind in the act of finding
What will suffice. It has not always had والوسائل -فلماذا ُيتو ّقع منه أن يكتب قصائد
To find: the scene was set; it repeated تحفل بالمتع المجانيّة السطحيّة الساذجة التي تذهب
what
.Was in the script مع ال ّريح فور أن يفرغ المتل ّقي من مطالعتها؟
Then the theatre was changed ليس في قصائد رفعت س ّلم إ ّل ال َغ َرق ،الغرق في
To something else. Its past was a الصور والأساطير والرؤى ،الغرق في القصيدة،
.souvenir غرق في غياب الأمان الذي تمنحه القافية ،والخدر
الذي يمنحه الإيقاع الخارجي الظاهر ،غرق حيث
لا مسافة تفصل بين ما يرى القارئ ،وبين المكان
الذي يريده الشاعر أن يرى منه ،ولا قرائن
نهائيّة قاطعة على هو ّية من يتكلّم في ك ّل موضع
من مواضع النّص ،ولا مكان للمطابقة بين الذات
الشاعرة والذوات التي تتكلّم في النّ ّص ،وغرق حيث
لا ُيستماز الفاعل من المفعول به ،ولا الشكل من
الأرضيّة ،ولا ال ُجمل الكبرى من ال ُجمل الصغرى
المُتض َّمنة ،ولا سبيل إلى تأطير المشهد حين تسقط
حدود الزمان والمكان ،وتغمض على الإدراك
محدداتهما .تبقى الصور والمفردات والعبارات عالقة
مؤ ّجلة ،لا ندري أين سترسو على مرفأ دلالة .ومع
القراءة تسقط عبارات وصور ومفردات من الذاكرة
وتحتلّها عبارات وصور ومفردات جديدة ،ويظل
عقل المتل ّقي مرهقا ،تأتيه المعاني والدلالات من كل
ا ّتجاه فلا تكاد تستق ّر ،تتكاثر عليه «ظباؤها» فلا
يدري أ ّيها «يصيد» أو يطارد ،ويظ ّل المتلقي عاجزا
عن التو ّقع ،تو ّقع ما تحمل القصيدة فيما بقي منها،
وتو ّقع ما يكون له أهميّة خا ّصة ،من عبارات أو
صور أو مفردات أو أفكار ،في استيعابها.
***
شعر العقل – يبحث عما يكفي –