Page 42 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 42
العـدد 26 40
فبراير ٢٠٢1
وهويته وحقيقيته ،وإن أي تغيير في حساسية اللغة من بلاغة واكثر من متن وهامش م ًعا وفي الوقت
هو تغيير في حساسية رؤيتنا للعالم ،ولذلك نأى نفسه ،وهنا نتجاوز وضعية البلاغات والمنظومات
الشكل الشعري في شعر السبيعينيات عن وهم الجمالية المركزية ،وتنهار وضعية الثنائيات الفكرية
النظام في اللغة ،فنأى عن أي امتلاء أو نبوة أو الميتافيزيقية بين الفكر والواقع ،الشعب والحاكم،
رجل الدين المشرع ورجل الشارع ،حيث لا فضل
خلود أو وضوح ،ولعب التشكيل في أشعارهم على لعقل على عقل ،ولا لمحاور على محاور إلا بالحجة
شكل المتاهات المسكونة بمنطق المجهول والشتات
والفجوات والخلل والانفصالات والتشكيل والفراغ الأكثر عد ًل ودقة تجاه الحقيقة التي هي أعلى
الجدلي بين السواد والبياض ،النقطة والخط ،الواحد منا جمي ًعا ،فالحقيقة مطلقة التوليدات والإحالات
والتصاديات والتداخلات والتراميات والممكنات،
والمتعدد ،التطابق والمفارقة ،المتون والهوامش،
الحضور والغياب ،الذاكرة والنسيان ،طبقات أي أن الحقيقة هي حقيقة الاستعادة للحقيقة
الدمار التي تحجبها البلاغة السائدة ،فلا شكل ولا باستمرار ،وهي التكامل اللامنتهي ،أو التكامل الذي
مضمون ولا لغة بل خطاب يستنفر الحد الأقصي يتكامل بطاقة اللاتكامل المفتوح على التاريخ والحياة
للتشكيل مهاج ًرا أب ًدا في سراديب الذات والواقع
والتاريخ والهوية ،حيث تتصارع الأزمنة وتتخلق والإنسانية المشتركة ،حيث تكون الحقيقة أف ًقا
الأمكنة وينحفر الفراغ العظيم وتتفجر الأسئلة لتوليد المفارقات تلو المفارقات.
الغائبة بحثًا عن دلالات مغايرة تتجاوب مع أحلامنا
لقد استدعي الهم الجمالي والمعرفي السابق
الإنسانية الممكنة والمستحيلة. بالضرورة طرائق جديدة في التشكيل والتوصيل
لقد أدرك شعراء السبعينيات أنهم يعيشون عص ًرا لدي شعراء السبيعينيات ،حيث تجلت هذه الطرائق
الجمالية والمعرفية عبر منظورات وطرائق تشكيلية
جدي ًدا مركبًا معق ًدا متداخ ًل انهدمت فيه الحدود احتمالية تعددية تدرجية لا نظامية ،حيث لا يقود
بين المعارف والعلوم والتصورات والثقافات، الواقع اللغة بل تقود اللغة الواقع ،وقد أسس هذا
وصرنا نعيش وعيًا معرفيًّا وفلسفيًّا جدي ًدا على لبلاغة التفتيت والتشذير ،وبعث قوة الفراغات
مستوى الوعي والإدراك والممارسة ،صار مفهوم المعرفية والاختلالات التاريخية اللاموضوعية إلى
جوار بلاغة التركيب الجدلي الموضوعي .ومن هنا
الحقيقة لا واحد ًّيا ،حيث الحقيقة هجرة علمية
مستمرة لا فكرة مركبة مستقرة ،هجرة إلى عوالم تعددت التقنيات التشكيلية والدلالية لدي هؤلاء
الشعراء فكانت أقرب إلى البلاغات الإنسانية البينية
معرفية بينية تعددية متباينة متحركة متصلة،
تجمع بين النسق وخارج النسق ،الموضوعي التعددية ،وهي بلاغات وتقنيات بنائية تشعبية
واللاموضوعي في لحظة عقلية معرفية واحدة، تتكامل بطاقة اللاتكامل المفتوح دو ًما على اللغة
حيث تتداخل إرادة المعرفة بإرادة الحياة ،لقد والتاريخ والواقع والعالم ،وهي بلاغات ظاهرها
صار الوعي الإنساني متشعبًا ومتناميًا من جهة، الفوضي والتشذير والخلل والعدم لكنها لا تنفي
ومتداخ ًل بين كل ألوان المعرفة والوعي من جهة أب ًدا مبادىء :الهوية والعلة ،والحد ،والقصد والمعني
أخرى ،ومتراميًا مع مستجدات الحياة والواقع من كما شاع وه ًما وتسل ًطا من قبل النقاد والقراء
جهة أخيرة ،يقول الشاعر« :أيها الفلاح الفصيح، الأوصياء رافضي الحداثة وما بعدها ،أصحاب
هوميروس ،المتنبي ،امرؤ القيس ،بيكاسو ،سيد المرجعيات السياسية والثقافية والمنطقية والجمالية
درويش ،بيتهوفن ،الشنفري ،رامبو ،محمود المركزية الشمولية القمعية .لكنهم في الحقيقة كانوا
سعيد ،بوشكين ،محمود مختار ،مايكوفسكي.. يبحثون عن توازن آخر للغة ،وانتظام آخر للواقع
إلخ إلخ؛ اهبطوا عن كاهلي قلي ًل ،لأعيد ترتيب ظلي، والعالم .لذا كان معظم تركيز شعراء السبيعينيات
وبصيرتي ،بلا ضغينة ،فقلبي متخم بالأوقات،
على بنية اللغة نفسها بوصفها مجلى للعالم
وأقدامي ُمكبّلة بالخطي الضائعة». وجسد الحياة ،فبدون اللغة تتخثر أشكال العالم
هكذا تبدو اللحظة الشعرية كثيفة عنيفة تنزف وتتفوضى ،حيث كيفيات القول هي كيفيات المعنى