Page 45 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 45
43
لقد رأي الشعر هنا أن الحقيقة السياسية
والجمالية والمعرفية مجرد تدبير أيديولوجي إن شعرية رفعت سلام كانت ألصق
رمزى :مجرد احتمال ضمن احتمالات كثيرة بنبض عصرها محايثة لزمنيتها
الجمالية والمعرفية الفريدة ،لذا انطلقت
ممكنة ،لذا عني بفكرة المنظور عو ًضا عن خارج نطاق حدود الأشكال الجمالية
فكرة النظرية ،حيث تكون الحقيقة مجرد السائدة ،فهي لا تعد امتدا ًدا تطور ًّيا
لأشكال سابقة عليها ،ولا تهجينا
حوار بيني مفتوح ضمن حوارت كثيرة ،أي تشكيليًّا بينها وبين غيرها من الفنون
تقع على الحدود بين التواريخ والثقافات، الأخرى ،بقدر ما تمثل قط ًعا جماليًّا
ومعرفيًّا بدئيًّا مع هذه الأشكال
لتستقل بكينونة تشكيلية تجريبية
والشروخ بين الإدراكات ،والفجوات بين خاصة بها خارج الأشكال السابقة
الهويات ،الحقيقة الجمالية حوار شتات عليها أو المجاورة لها ،وإن نبعت منها
وليست حوار أنساق ومركزيات أو تداخلت معها وفيها.
إن إبداع رفعت سلام يجسد جدارية
مشهدية تشذيرية تفتح أفق الزمن
والهوية واللغة والواقع على جسد
إنه يجسد عالمًا يضج بالغرابة والصدمة والدهشة الحياة نفسها ،بعي ًدا عن أي حد أو تأطير أو نسق
والاختلاف ،عالم غني كثيف متشابك يقع خارج يغلق التعدد اللانهائي لأشكال الحياة المتدفقة،
كل تصوراتنا المسبقة ورواسخنا السائدة .ولعل إنها شعرية إظهار للمحجب واستنفار للمقصي
ابتكارات هذا التكسير البنائي والتشظي التكويني
ظل ملاز ًما لبنية الشعر لدي رفعت سلام كأحد واستحضار للغائب وفق رؤية كثيفة للزمن واللغة
المكونات الراسخة في عوالمه الشعرية المدهشة .ولعل «حيث نكون في كينونة العالم بمقدار ظهوره ،أي
هذا قد وسع من أفق كتابته لتتسع للانهائية الزمن أن ظهورية العالم بما هو احتمالات حدوث لا
وحيوية وكثافة الوعى؟ إنه التجريب الخلاق الباحث
عن التعددية الثقافية والحوارية الحضارية الكامنين نهائية ،هي التي تشكل كينونته ،وهذه الظهورية لا
تتمتع بوجود متعا ٍل ،بل هي لا تتأتى إلا من خلال
في بنية الهوية لإعادة تأسيس الوعي والذاكرة
واللغة والوجود .تمر ًدا على الذائقة الاستهلاكية احتمال جسدي تحدث من خلاله عملية الظهور،
والوعي النمطي والتقاليد الجمالية المكرورة ،ولكن كما أنها لا تحدث كامتلاء تتطابق فيه مع نفسها،
فتصدر كوحدة ذات هوية ،لأنها لا تتأسس إلا من
الأهم من ذلك كله قدرة شعرية رفعت سلام على خلال تموقع الاحتمالات الجسدية التي هي متعددة
استباع سؤال الشعر من سؤال الوجود نفسه لا
مشتتة ومبعثرة ،وبالتالي فظهورية العالم هي
إخضاعه لأسئلة سابقة متوارثة مكرورة. عملية مشتتة في سيلان وكثرة ،وذلك تب ًعا للتعدد
الجسدي الذي يقع من خلاله ،والذي هو احتمالات
إن شعرية رفعت سلام في جميع أعماله التي حدوث يخترقها الاختلاف المكاني والزمانى»(.)1
حرص على تسميتها بالأعمال الشعرية لا الدواوين إن عمق الوعي الشعري لدى رفعت سلام بكثافة
تيقنًا منه بنجاعة الفعل الشعري الممتد في عوالمه الزمن ولا نهائيته الوجودية أدي به في نصوصه
كلها ،والتي تخلخل الذوق العام وتجري يد إلى كثافة الصور والأصوات ولا نهائيتها ،وتفتيت
الفوضي الخلاقة المحكمة في بنية النظام الثقافي فكرة المركز والثبات والوحدة واليقين ،وانهيار
فكرة المركز التسلسلي السببي ،وبروز مفارقات
والاجتماعي والسياسي الراسخ المسيطر حتى التكوين والتشكيل طي مفارقات الزمن وتعدد
أصوات الذات وصور الضمائر وتداخلها وتقاطعها ،يتحرر قلي ًل أو كثي ًرا من العرف العام ،خال ًقا وعيه