Page 46 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 46

‫العـدد ‪26‬‬    ‫‪44‬‬

                                                     ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

      ‫فوقها متخاف ًقا شر ًسا أفرق ما تبقي من دمي‬      ‫الجمالي والمعرفي الخاص حتى لنري الحقيقة كيف‬
‫لأكون مثل السيف فر ًدا مفر ًدا متوز ًعا بين الفجيعة‬    ‫تتكوثر؟ والواقع كيف يتعدد؟ واللغة كيف تتفرع‬
                                                     ‫وتتنامى وتتشجر وتتعملق وتتداخل؟ لتصير بحجم‬
                                   ‫والفرار المر»‪.‬‬
         ‫إن النص السابق ينضح بالتشكل الجمالي‬                           ‫الحلم والروح والوعي والخيال‪.‬‬
 ‫الصارم‪ ،‬النص جسد من اللغة يتمتع بحياة حسية‬           ‫يتأسس النص الشعري عند ديوان سلام على تعدد‬
 ‫عضوية كاملة‪ ،‬ينمو من خلالها جسد العالم م َّوا ًرا‬    ‫الأنوات الشعرية بأصواتها الدرامية الكثيفة‪ ،‬حيث‬
    ‫بانفصالاته الوجودية والاجتماعية والتاريخية‪،‬‬
       ‫يكتشف الشاعر أشياء العالم من خلال بنية‬             ‫يتخذ كل صوت طعمه وشكله ومذاقة وفرادته‬
   ‫التجسيد الجمالي فيكتشف ذاته‪ ،‬تمور لغة النص‬             ‫إلى جوار الأصوات الأخرى بأشكالها ومذاقها‬
 ‫بالتناقضات والانفصالات من خلال بني التراكيب‬           ‫وفرادتها‪ ،‬وهي أصوات تتلاقى وتتفارق وتحضر‬
    ‫والتصوير والحذف والإضافة‪ ،‬لغة تتراكب ولا‬             ‫لتغيب وتغيب لتحضر في جميع أعماله الشعرية‬
    ‫تتراكم‪ ،‬تتقاطع ولا تتراتب‪ ،‬تتواصل وتتراسل‬          ‫(ولا أقول دواوينه) حتى لتتعدد مراكز حضورها‬
   ‫في باطنها العضوي العميق على خلاف تسلسلها‬               ‫وغيابها متقابلة متداخلة متراسلة لاستحضار‬
      ‫الظاهري الخادع‪ .‬إنها تتدفق في حكي سردي‬          ‫مستقبل قد يجىء وقد لايجىء‪ ،‬ولعل هذا التشكيل‬
   ‫سريالي فينعدم فيها منطق الحياة الطبيعة لتخلق‬       ‫الجمالي الكثيف في جميع أعماله القائم على التوازي‬
    ‫منطقها التشكيلي الخاص بها تحاصر به الواقع‬         ‫والتقابل والتقاطع والتطابق والمفارقة دفعة واحدة‬
                                                          ‫هو الموازي الجمالي والمعرفي لانفجارات الوعي‬
                                       ‫وتناوئه‪.‬‬         ‫الحضاري الجمعي المحيط بالشعر‪ ،‬حال حوارها‬
     ‫إن أعمال رفعت سلام تجربة مع أشكال اللغة‬           ‫مع انفجارات الوعي الذاتي للشاعر بغية اكتشاف‬
 ‫بامتياز‪ ،‬ولكنها تجربة مع أشكال الحياة من حوله‬       ‫ركود وتناقضات وانفصالات الواقع واللغة والوعي‬
‫أي ًضا‪ ،‬يسعي فيها الشاعر عبر تكوينات وانقطاعات‬
  ‫ومفارقات وتطابقات الشكل الشعري لاستحضار‬                                       ‫العربي‪ .‬يقول الشاعر‪:‬‬
   ‫شكل الحياة المرئي واللامرئي في صياغة شعرية‬        ‫«قتلتموني أيها الأوغاد فاتركوا لي جثتي أبكي عليها‬
      ‫تشعبية تستحضر الحياة كلها لتتجاوزها‪ .‬إن‬        ‫واهطل ما تيسر من تعاويذ وأوراد لتصحو أو أنام‬
    ‫تجريبية التشكيل هنا قادرة على مناورة الوعي‬       ‫فاتركوها لي قلي ًل كي أرمم ما تبقي من دمي وألملم‬
‫العربي الراكد بزيوفه وتناقضاته وأوهامه الراسخة‬
 ‫وانقساماته الدامية‪ .‬الشعر لدى رفعت سلام يفكك‬                                        ‫أوهامي وأمضي‬
  ‫واحدية اليقين الثقافي والحضاري الوهمي‪ ،‬ويرى‬           ‫ليس وقتي الآن أن أعود القهقرى مليون عام من‬
    ‫أن التوحيد الثقافي وثنية مدنية قاهرة مقهورة‪.‬‬
   ‫الشعر يفكك ويفحص ويهدم ويبني دفعة واحدة‬                             ‫صراخ يمطر انتظا ًرا واحتضا ًرا‬
  ‫لدى رفعت سلام‪ .‬إنه يحفر في جينيالوجيا الوعي‬          ‫أيها القراصنة الصغار وقتي فات فات‪ ،‬مات مات‪،‬‬
 ‫العربي المتيبس ليفتح الواحد على تعدده‪ ،‬والمتطابق‬     ‫آت آت‪ .‬فاتركوها لي جثتي‬
‫على تناقضه‪ ،‬والمستقر على قلاقله‪ ،‬والحاضر الهزيل‬         ‫الأثيرة الأخيرة‪ ،‬اتركونا‬
‫المختزل على كثافتة اللانهائية المسكوت عنها‪ ،‬والمتن‬
    ‫الراسخ العتيد على هوامشه الكثيفة اللعوبة‪ ،‬إن‬          ‫برهة من فضة السهو‬
 ‫الشعر هنا يمارس انفصالاته الفادحة الكاشفة عن‬                           ‫الجميل‬
 ‫مفاهيم الواحدية واليقينية والإقصائية والاختزالية‬
   ‫والتلفيقية التي دشنت الوعي الحضاري العربي‬             ‫واخرجوا منا إلى حقول‬
    ‫المعاصر الزائف الذي يحيا وفق منطق التناقض‬             ‫الشوك والصبار حتى‬
   ‫والرتابة والسكون والرسوخ مؤث ًرا معر ًضا عن‬        ‫نرتوي من العويل‪ ،‬لم يعد‬
                                                      ‫لي غيرها‪ ،‬ذهبت بأوجاعي‬

                                                             ‫القديمة واستراحت‬
                                                          ‫وانتصبت على رصيف‬
                                                     ‫السهو ذاكرة من الصرخات‬
                                                        ‫فابتعدوا كهاوية لأهوي‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51