Page 48 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 48
العـدد 26 46
فبراير ٢٠٢1
واستعداده للغوص في مجاهيل النص البعيدة يتلقط أنا الجملة الشاغرة
لآلىء الشعر ودرره الخبيئة .فلكل قارئ تأويله بين فاصلتين داميتين»
ورأيه الحر في مقاربة النص الشعري والتحاور يهرطق الشعر ضد النسقية السياسية والثقافية
والجمالية المغلقة ليفتح الحياة العربية على مساحات
مع إشاراته وإيماءاته ورموزه .وكأن العلاقة بين هائلة من إمكانات الحلم وأشواق المستحيل ،إذن هي
كل من الشاعر والنص والقارئ والثقافة علاقة شعرية تسعى في تجريبيتها التقويضية الجسورة
إلى تقويض الواحد المطلق ليصبح كثرة ،ونفي
مائية رجراجة ،أي غير محكومة بمسلمات جمالية السكون المخيم ليكون حركة ،ومقاومة الوحدة
ومعرفية مسبقة .علاقة لا تعرف المنطق التقليدي الشمولية الغوغائية لتكون تعد ًدا حوار ًّيا عضو ًّيا
ولا التسلسل التعاقبي السلس المطمئن ،بل يتخلق خصيبًا .ومن هنا كان شعر رفعت سلام التجريبي
الجاد الرصين أداة من أدوات الاكتشاف والتحديث
نظامها من خلال فوضاها ،لغة تمور بحيوات الحضاري والثقافي .أداة معرفية وتخييلية نشطة
متفجرة مرئية ولا مرئية. ومناورة وفعالة لإعادة إنتاج الواقع العربي المعدم
واستحضار مستقبل الغامض الكمين .يقول الشاعر
إن شعرية رفعت سلام شعرية تجريبية بامتياز لا في ديوان (إلي النهار الآتى):
تخضع لتصورات النظرية النقدية ،بل هي قادرة «تستند حافة السماء على الأرض ربما عند البلدة
على تكييف النظرية -النظريات النقدية -أكثر مما
تكيفها هذه الأخيرة ،تترمد النظريات والتصورات المجاورة
ذات يوم سأصل إليها وأتحسسها بيدى
لغة بين الأرض وبين قدمي الحافية
لن أبوح بها ،ولن تبوح
لغة بصيرة تعود -دائ ًما -إلى المجاهل والمتاهات
الغافية
أدخلها ،لا أوقظها».
لا يمكن أن تكون اللغة هنا في النص مجرد توصيل
أو حتى أداة جدل ،بل تصير اللغة تكوينًا جسد ًّيا
خلا ًقا بذاته .فما هي هذه اللغة التي تستند حوافها
البديعة المرفرفة في السماء بجسد الأرض وترابها؟
هذه لغة تتريب التاريخ وأرضنة الجدل وأنسنة
المقدس ،حيث التماهي بين أقدام اللغة الحافية
المناضلة وجسد التراب التاريخي العظيم .لغة
سرية لا مرئية لكنها مفتوحة على شموس المجازات
الساطعة تخترق المجاهل والمتاهات الغافية .لغة
تبوح ولا تبوح .فهي أفق مفتوح على التأويل
بما يفضي بالقارئ إلى آفاق تشكيلية ودلالية لا
نهائية تتجلي عبر مغامرة اللغة ،متوترة مشحونة
بالمفاجآت والانعطافات غير المتوقعة ..حيث تتجلى
كشوف الشكل في كشف تلو كشف خال ًقا الطيوف
والأخيلة الرحالة عبر مناخات ومنحنيات القصيدة.
وبحسب قدرة القارئ على التحليق والتحديق