Page 53 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 53

‫‪51‬‬                 ‫إبداع ومبدعون‬

                   ‫رؤى نقدية‬

‫عز الدين المناصرة‬  ‫أحمد عبد المعطي حجازي‬         ‫كام ًل انتصا ًرا للتاريخ المعتاد والطويل في عملية‬
                                                 ‫القراءة والتلقي في إطار أحادي قائم على التعبير‪،‬‬
    ‫الكتابة الشعرية‪ ،‬وفي الكيفية التي يعاين من‬
 ‫خلالها بعض الأنماط الفنية المسيطرة والمهيمنة‬       ‫بعي ًدا عن هذا التوزع المرهق لصعوبة تحقيقه‬
 ‫والمؤسسة في الإبداع الشعري من خلال أعلام‬          ‫بشكل عملي؟ أم أن قراءة النص على هذا النحو‬

                              ‫الأجيال السابقة‪.‬‬              ‫تحتم القراءة المتوازية في الآن نفسه؟‬
        ‫وفي ظل هذا التوجه كان اختيار قصيدة‬       ‫إن الإجابة على التساؤلات السابقة ليست سهلة‪،‬‬
  ‫(مراوغة) اختيا ًرا مقصو ًدا لمقاربة ذلك الجدل‬   ‫لأن التعدد وإن كان متعبًا ومفس ًدا لمتعة القراءة‬
    ‫بين المتن والهامش النصي‪ ،‬ارتبا ًطا بالمنحى‬
    ‫الفكري الذي يمثل نقطة الانطلاق في مقاربة‬        ‫الأحادية المعتادة أصبح جز ًءا من عملية تلقي‬
     ‫العالم‪ ،‬فحين يقول رفعت سلام في قصيدة‬            ‫هذه النوعية من النصوص‪ ،‬لأن آلية القراءة‬
    ‫(مراوغة)‪« :‬هكذا أجيئكم عار ًيا بلا نبوة ولا‬      ‫تمارس نو ًعا من التوجيه المستمر‪ ،‬وتقدم في‬
‫شهادة‪ /‬ولا رسالة ت ّدعي قداسة ما كما ي ّدعي‪/‬‬         ‫بعض الأحيان نو ًعا من الإضافة‪ ،‬وفي أحيان‬
      ‫الشعراء عادة أو ما ت ّدعون هكذا‪ /‬أجيئكم‬    ‫أخرى تقدم نو ًعا من التقليم للتوجهات الفكرية‪،‬‬
    ‫رصاصة أو خيانة أو فضيحة»‪ ،‬فإن القارئ‬
      ‫سوف يتأكد من صواب مشروعية المدخل‬                           ‫أو تفتح مسارب جديدة للتمدد‪.‬‬
    ‫الذي ت ّم اختياره‪ ،‬والفرضية التي ارتضاها‪،‬‬        ‫القارئ في معاينة المتن والهامش أمام نصين‬
   ‫في كون فكرة الصراع ضد الأنظمة والأنماط‬            ‫يلتقيان ويتجادلان‪ ،‬الأول منهما يتأسس في‬
 ‫الفنية المؤسسة تمثل نقطة الانطلاق أو المرتكز‬      ‫عملية القراءة من التلاحم والانسياب والتمدد‪،‬‬
                                                  ‫والآخر يتأسس على الجزئية والسكون والقطع‬
            ‫الأساسي في مقاربة الشاعر للعالم‪.‬‬          ‫والانتهاء من خلال تشكله المحدد‪ ،‬ووظائفه‬
        ‫فالشاعر الفرد‪ /‬المختلف يط ّل في السطر‬     ‫التي اجترحها رفعت سلام في ديوانه‪ ،‬فلم تقف‬
    ‫الأول في مقابل المجموع‪ /‬الشعراء السابقين‬       ‫الوظائف عند تجليها القديم‪ ،‬وإنما تأسست له‬
‫المؤسسين‪ ،‬وكل نفي يقدم في إطار الفرد يشكل‬         ‫وظائف أخرى بفعل هذا التداخل الجدلي‪ ،‬فهناك‬

                                                      ‫التوجيه‪ ،‬أو صناعة الفضاء‪ ،‬أو التفسير أو‬
                                                                               ‫التعيين والتحديد‪.‬‬

                                                          ‫جدل البنية النصية‬

                                                         ‫في قصيدة (مراوغة)‬

                                                        ‫القارئ لديوان (إشراقات) للشاعر رفعت‬
                                                       ‫سلام يدرك أن الديوان في مجمله صرخة‬
                                                     ‫عالية الصوت ضد الأنماط القابضة المتكلسة‬
                                                  ‫على جميع المستويات‪ ،‬والهامش في هذا الديوان‬
                                                 ‫يمثل صدى الصرخة المشروخة بارتخائها الأقل‬
                                                    ‫ضجي ًجا وعل ًوا‪ ،‬خاصة إذا كانت هذه الأنماط‬
                                                   ‫القابضة تتداخل بشكل خاص‪ ،‬وتتم مقاربتها‬
                                                 ‫مجتمعة من خلال تفكيك أسسها بنظرة شمولية‬
                                                        ‫ذات قطاع طولي ممتد في الزمان والمكان‪.‬‬
                                                       ‫ولكن المنحى الأهم الذي رأينا أنه يمكن أن‬
                                                  ‫يشكل الأساس في مقاربة كل الجوانب الأخرى‬
                                                   ‫يتمثل في تفكيكه المستمر للمستقر والسائد في‬
   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58