Page 52 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 52

‫العـدد ‪26‬‬    ‫‪50‬‬

                                                  ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

       ‫(إشراقات) انطلا ًقا من وجودها على هذا‬           ‫ومن جانب آخر تؤدي وظائف أخرى‪ ،‬ربما‬
 ‫النحو‪ ،‬ويجب على القارئ ألا يتعامل معها وفق‬             ‫يكون أهمها توجيه التأويل من خلال فعل‬
                                                        ‫التبئير الذي يقوم به الهامش أو الحاشية‪.‬‬
      ‫المحددات السابقة لوظيفة الهامش‪ ،‬وأهمها‬
       ‫الصفة النصيَّة للهامش‪ ،‬لأن هذا التوازي‬         ‫طبيعة الهامش في الإشراقات‬
   ‫يكشف عن تضافر وتجاوب‪ ،‬ولا يكشف عن‬
  ‫مغايرة إجناسية ترتبط بحدود النوع‪ ،‬إنما هو‬       ‫الهامش كما تحدده المعاجم يمثل حاشية الكتاب‪،‬‬
 ‫فارق في التوجيه والتبئير والتوجيه إلى دلالات‬         ‫وغالبًا ما يوضع في نهاية الكتاب‪ ،‬أو الفصل‬
 ‫خاصة ربما تكون أكثر ارتبا ًطا بالذات المتكلمة‬          ‫أو أسفل كل صفحة‪ ،‬مما يشير إلى تراتب‬

                             ‫في المتن والهامش‪.‬‬     ‫قيمي طب ًقا لطبيعة المكان وحدوده‪ ،‬لأنها تتعلق‬
‫ففعل التوازي الذي أسسه رفعت سلام في نصه‬                ‫بمعان تتعلق بالتأويل أو ما يسجله القارئ‬
                                                       ‫أثناء عملية القراءة‪ .‬والهامش في هذا الإطار‬
  ‫جعل الهامش ن ًّصا أو جز ًءا من النص له نفس‬
 ‫الفاعلية والحضور‪ ،‬فالهامش في ظل هذا الفهم‬           ‫يوضع في تراتب أقل‪ ،‬لأنه ليس متنًا‪ ،‬ويرتبط‬
                                                     ‫بوظائفه المعهودة‪ ،‬في تفسير ما غمض معناه‪،‬‬
    ‫إضاءة كاشفة توجه نحو فعل دلالة خاص‪،‬‬           ‫أو إضافة دلالة ترتبط بتاريخ أو ظروف الكتابة‬
   ‫قد تكون متجاوبة أو متباينة مع حركة المتن‪،‬‬        ‫يمكن أن تكون دالة لفهم وكشف مناح خاصة‬
  ‫أو يقوم بفعل توسيع الدلالة أو يضيقها‪ ،‬وفي‬       ‫بالمتن‪ ،‬وقد امتدت هذه الدلالة المعجمية إلى دلالة‬
‫ذلك التوجه هدم لكل التجليات السابقة للهامش‬
 ‫المرتبطة بالتوثيق مثل كتابة تاريخ القصيدة أو‬         ‫اصطلاحية للتفريق بين المركز والهامش في‬
 ‫سبب كتابتها‪ ،‬فلم يعد محد ًدا بوظائفه السابقة‬              ‫العلوم الاجتماعية والدراسات الثقافية‪.‬‬
 ‫مثل إضافة معلومات جانبية أو توضيح معنًى‬
                                                        ‫يتجلى للقارئ للوهلة الأولى أن الهامش في‬
      ‫لكلمة أو لأسطورة وردت في النص‪ ،‬وإنما‬             ‫الديوان ليس مشاب ًها للهوامش المعهودة في‬
      ‫أصبح منو ًطا به وظائف أخرى‪ ،‬تبنى على‬        ‫المؤلفات أو في حواشي الكتب القديمة‪ ،‬خاصة في‬
‫الوظائف السابقة‪ ،‬ولكنها تتجلى تجليًا مغاي ًرا في‬  ‫المكان أو في الجانب الشكلي الذي تحدد في إطاره‬
 ‫إطار الالتحام بفكرة النصية‪ ،‬وما يترتب عليها‬        ‫الديوان‪ .‬فقد جاء الهامش في الصفحة مجاو ًرا‬
 ‫من تداخل وتما ٍه‪ ،‬فقد أصبح الهامش ‪-‬على حد‬         ‫للمتن‪ ،‬ومن ثم يصبح جز ًءا من البنية النصية‪،‬‬
  ‫تعبير عز الدين المناصرة في (شاعرية التاريخ‬         ‫لا يرتبط بتراتب أدنى‪ ،‬وإنما يمثل تفسي ًرا أو‬
‫والأمكنة)‪« -‬قصيدة متن لا تكتمل إلا بهوامشه‬         ‫تجليًا مواز ًيا للنص‪ ،‬يح ّرف فيه ويعدل ويوجه‬
    ‫الشعرية‪ ،‬وهوامش لا تكتمل إلا بالمتن‪ ،‬وهو‬      ‫العام ويخصصه‪ ،‬ويفتح حدود الخاص ويعممه‬
‫ليس محاولة شكلية للتمييز بين ما هو جوهري‬
                                                                                  ‫إلى آفاق أوسع‪.‬‬
             ‫وما هو فرعي في القول الشعري»‪.‬‬           ‫وجود الهامش مجاو ًرا للمتن له دلالة خاصة‬
        ‫الوظيفة الأكثر أهمية للهامش في ديوان‬          ‫بعي ًدا عن وجوده كالمعتاد في أسفل الصفحة‬
      ‫(إشراقات) هي وظيفة القضاء على أحادية‬         ‫الذي قد يشكل فار ًقا تراتبيًّا‪ ،‬فالعلاقة هنا بهذا‬
    ‫الصوت الواحد‪ ،‬وتشتيت المركزية من خلال‬
    ‫التوجيه إلى بؤرة أكثر تحدي ًدا وخصوصية‪،‬‬            ‫الشكل الخاص من التجاور علاقة مشاركة‬
‫وأكثر تجليًا لنمو الفكرة المنتزعة التي تحتاج في‬          ‫وتكامل في إنتاج النصية‪ ،‬وعلاقة تجاوب‬
 ‫تجليها الجديد إلى إيغال أو إكمال‪ .‬فهذا التوزع‬
 ‫الثنائي يهدهد من خطاب الهيمنة الأحادي‪ ،‬لكن‬           ‫تجعلهما أقرب إلى الاستواء على بساط واحد‬
 ‫هناك سؤا ًل حتميًّا سوف يلح على ذهن القارئ‬       ‫وتراتب واحد‪ .‬وقد أدى هذا الشكل وظائف أولى‬
    ‫‪-‬انطلا ًقا من التجربة العملية لفعل القراءة‪-‬‬   ‫بعي ًدا عن الوظائف النصيَّة والدلاليَّة التي تتجلى‬
  ‫وهو هل تت ّم قراءة الهوامش بعد قراءة النص‬
                                                                               ‫بالقراءة الفاحصة‪.‬‬
                                                         ‫تتوزع وتتعدد وظائف الهامش في ديوان‬
   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57