Page 44 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 44
العـدد 26 42
فبراير ٢٠٢1
كموسوعة تخييلية للعوالم المتباينة المتناظمة ،حيث ينسج نصوصه على مثال سابق ،بل كان يكتب
يتجلى العالم والواقع والذات والتاريخ واللغة في راهنية اللحظة الحضارية الفادحة ،محايثة الوجود
الشعرية المنظومية التشعبية اللامركزية ،بوصفهم المباشرة حيث الزحام اللانهائي الكثيف لحيوية
تعدديات غير متناهية لا على سبيل عدمية المركز الزمن والروح واللغة والوجود .إنها الذات التي
تكتب ذاتها بصيغة منتهى الجموع .يقول الشاعر
كما هو الحال في التفكيك الغربي -أو كما فهم خطأ منذ تجربته الشعرية الأولى عام 1975مؤس ًسا
على الأقل في أدبياتنا النقدية المعاصرة -ولكن على لجماليات الدهشة والغرابة« :غرسناك في ُتربة
الغرابة ،سلّمناك أبواب الفصول الأربعة ،ووهبناك
سبيل تعددية المراكز التي تتداخل فيها جدليات سر الكلمة الرمح ،ومفتاح الكتابة ،ونذرناك لشمس
المتون بالهوامش ،والغائب بالحاضر ،والراسخ
بالمسكوت عنه ،حتى ليتجلي الشكل الجمالي بوصفه الفاجعة ،كي ُت ِعيد ال ُرعب للوطن الأليف».
تعد ًدا منظوميًّا تداخليًّا ،فينتقل من شكل النظام إلى لقد استدعت كثافة اللحظة الحضارية ولانهائيتها
تشكيل النظم ،كما ينتقل من تشكيل النظم المتناوئة ن ًّصا مفتو ًحا على المفارقات والمفاجآت والشقوق
إلى تداخلها وتناظمها وتناميها ،عبر أسباب تشكيلية
غنية ومتعددة الأشكال والوجوه والرؤى ،إذن والمجهول ،وما يترامي إليه من كثافة الصور
لسنا معنيين هنا بما شاع في النقد الأدبي الحديث والأصوات ولانهائيتها ،وتفتيت فكرة المركز
والمعاصر من توصيف شعريات الحداثة وما بعدها والثبات والوحدة واليقين ،وتسيد فكرة انهيار
(بالتفتت والتشظي والتفكك والتناثر) دون الوعي المركز المتتالي ،وبروز مفارقات التكوين والتشكيل
بالأسس المعرفية والفلسفية والتشكيلية الكامنة طي مفارقات الزمن وتعدد أصوات الذات وصور
وراء هذا النمط من الشعرية ،ودون الوعي أي ًضا الضمائر وتداخلها وتقاطعها ،إنه يجسد عالمًا
بما يختلف به واقعنا الجمالي والمعرفي العربي عن يضج بالغرابة والصدمة والدهشة والاختلاف،
المجتمعات الغربية المتطورة عن مجتمعاتنا بقرون عالم غني كثيف متشابك يقع خارج كل تصوراتنا
طويلة ،كما أننا لا نرجع أسباب هذا التناثر والتقطع المسبقة ورواسخنا السائدة .ولعل ابتكارات هذا
والتشذر والتفكيك إلى الإعراب عن رؤية لا يقينية التكسير البنائي والتشظي التكويني الملازم لبنية
للعالم والواقع والذات والتاريخ ،فلا يعني كل تعدد الشعر لدي رفعت سلام كان يجسد ما أسميته
نم ًطا من أنماط التفكك ،ولا يعني كل عجز عن بـ(شعرية التخييل المنظومي التشعبى) القائم على
الوعي والفهم والتفسير نم ًطا من العبثية والانهيار التشعيب والتعقيد والتناثر والتداخل في صورة
تخييل منظومي بيني نقضي ،لا نستطيع أن نقف
والفوضى ،بل قد يعني انحرافات واختلالات على ترامياته المعرفية ودلالاته التشكيلية إلا من
علمية وواقعية جديدة تفرضها قوة الواقع نفسه، خلال الوقوف الكامل المتكامل على دواوينه كلها،
فتحفر صدو ًعا معرفية ومنهجية وإجرائية عديدة والتي تمثل بنية شعرية تشعبية بينية لا مركزية،
في البنية الموضوعية الداخلية للمنهجيات العلمية يتنادى فيها اللاحق إلى السابق يحاوره ولا يطابقه،
يكتمل به ولا يتكامل معه ،فهو عالم من الرغبات
السائدة ،لتخلِّق شك ًل -أشكا ًل -بنائيًّا جدي ًدا والأصوات والحيوات الصاخبة ،المتقاطعة ،المتداخلة،
للإدراك والوعي والعقل والخيال والواقع والثقافة المتصارعة ،المتفارقة ،تخترق فضاءات الواقع والمادة
بشكل عام ،مما ُيحتاج معه إلى إعادة تأسيس نمط واللغة والتاريخ والوعي والكون بلا انتهاء.
إننا في شعرية رفعت سلام نعبر من العالم الواحد
-أنماط منهجية -منهجي جديد للتوازن المعرفي إلى كثافة العوالم المتعددة المتصارعة ،فهي شعرية
الأكثر تعقي ًدا وتداخ ًل وانفتا ًحا ،يقول الشاعر: فضاءات مفتوحة ومتاهات لا منتظمة لا أنساق
محكمة صارمة ،وهنا تتحول الشعرية من فكرة
«أنا الميت الحي ،لا أمشي ،بل الأرض تسيل العنصر أو العناصر ،إلى فكرة الفضاءات ،وتجليها
نفسها تحت أقدامي إلى الوراء ،تفر مني الأشجار
والينابيع ،تركض التلال والحقول ..فلتهبطي أيتها
البومة العمياء عن كتفي ..أنا سيد هذا الكون ،أنا
الديناصور الأخير».