Page 91 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 91

‫‪89‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫فضاء النص الشعري نجد عد ًدا من الملفوظات‬                              ‫بالشكل البصري «ولارتباطها بضبط نبرة‬
   ‫تقاطعت مع نصوص أخرى؛ مما يوضح انفتاح‬                              ‫الصوت في الكتابة وبالتالي تعويض الصوت كلية‬
   ‫النص على عناصر متعددة (لغوية‪ /‬غير لغوية)‪،‬‬
     ‫وبهذا يكون الالتفات إلى التراث هو القوة التي‬                      ‫بالعين»(‪ ،)62‬كما أنها تمنح النص صو ًتا آخر‬
                                                                      ‫في الدلالة»‪ ،‬إذ تقوم خلف هذا التصرف الطباعي‬
      ‫تدفع نحو بناء معرفة ووعي جديدين وراف ًدا‬                        ‫واللغوي مقصدية المرسل في أن يقيم في المرسل‬
  ‫للهوية الثقافية المفتقدة في كيان عربي مهدد تحت‬
                                                                            ‫إليه حالة موازية للقراءة الصوتية»(‪.)63‬‬
                      ‫وطأة متغيرات كثيرة(‪.)66‬‬                                           ‫( َفأ ُّي َها ال َّص َبا ُح ال َج ِمي ُل‪َ ،‬م َتى‬
   ‫إن عملية توظيف التراث عملية ليست باليسيرة؛‬                                                ‫َت ِجي ُء َل َنا ِبال ُخب ِز َوال َما ِء‬
‫لأنها تعتمد على استدعاء النصوص التراثية الغائبة‪،‬‬                                          ‫َوال ِك َساء؟ ِبال َبس َم ِة َو َرا َح ِة‬
   ‫وتضمينها في بنية النص الحاضر؛ ليحدث نو ًعا‬                                             ‫ال َبال؟ ِبأب َنا ِئ َنا المُخ َت ِفين ِف‬
 ‫من التلاحم بين النصين‪ ،‬وهذا يتوقف بالطبع على‬                                                             ‫ال َمج ُهول؟‬
 ‫اتساع الجانب المعرفي والثقافي بالتراث وعلى مدى‬                                          ‫َم َتى‪ ،‬أ ُّي َها ال َّص َبا ُح ال َج ِميل؟‬
‫إمكانية الكاتب في امتلاك أدوات التوظيف المختلفة‪،‬‬
                                                                                                   ‫َف َما ال ِذي َنن َت ِظر؟‬
       ‫وهذا كله يصب في مصطلح التوظيف(‪.)67‬‬                                                              ‫َو َر َق َة َش َجر؛‬
    ‫النص الإبداعي عامة لا يخلو من جينات دلالية‬                                                          ‫َقط َر َة َم َطر؛‬
   ‫تسهم في تشكيل بنية النص ناجمة عن مؤثرات‬
  ‫شعورية ولا شعورية في الوعي المعرفي‪ ،‬وتفضي‬                                                  ‫ِكس َر ًة ِمن َق َمر؟)(‪.)64‬‬
  ‫هذه الحقيقة إلى مقولة (اللاشعور الجمعي) التي‬                       ‫تعد علامات الترقيم من مكونات الفضاء النصي؛‬
    ‫يرتد الخطاب الثقافي إلى منابعها‪ ،‬إذ إن «ظاهرة‬                     ‫فهي تشترك في عملية بناء النص اشترا ًكا فعا ًل‪،‬‬
     ‫تداخل النصوص هي سمة جوهرية في الثقافة‬                          ‫ولها دو ٌر ف َّعا ٌل لا يقل أهمية عن الدور الذي يقوم‬
     ‫العربية حيث تتشكل العوالم الثقافية في ذاكرة‬                    ‫به الحرف مع الكلمة أو الكلمات في تجاورها‪ .‬وقد‬
     ‫الإنسان العربي ممتزجة ومتداخلة في تشابك‬                        ‫أصبحت هذه العلامات مثل المنبه الذي يوقظ وعي‬
                                                                    ‫المتلقي‪ ،‬ويربطه بالنص‪ ،‬وتعتبر دوا ًل متفاعلة مع‬
                           ‫عجيب ومذهل»(‪.)68‬‬                         ‫الدوال الأخرى في بناء دلالية الخطاب‪ ،‬وهذا يعني‬
    ‫وقد تشكل كلمة واحدة مفتا ًحا لغو ًّيا قاد ًرا على‬               ‫أن علامات الترقيم مؤرخة بدورها للنص‪ ،‬وللذات‬
‫ربط النص بنص آخر‪ ،‬وتكون الكلمة الواحدة بؤرة‬                          ‫الكاتبة م ًعا‪ ،‬ووجودها أو غيابها يتموضع ضمن‬
   ‫دلالية تحمل شحنة دلالية قادرة على إيقاظ ذهن‬                       ‫الإبدالات النصية التي تلحق الشعرية في مختلف‬
                                                                    ‫صورها وبنياتها النصية»(‪ .)65‬كما أ َّن لها وظيف ًة‬
               ‫المتلقي للتفاعل مع نص آخر(‪.)96‬‬                       ‫دلالي ًة؛ مما يجعل الفضاء البصري للنص الشعري‬
               ‫أل ْم أ ُق ْل إِ َّن َك ل ْن تستطي َع مع َي صبرا‬      ‫موضو ًعا سيميائيًّا‪ ،‬ونس ًقا دلاليًّا‪ ،‬يمكن الوقوف‬

                 ‫َفنجه ُل فو َق جه ِل الجاهلينا(‪)70‬‬                      ‫على تش ُّكلاته البنائية‪ ،‬وهذا يعني أن توظيف‬
    ‫وجد الشاعر نفسه أمام عملية استدعاء خاصة‬                        ‫الشاعر لهذه العلامات أو إحداث تغيّرات في موقعها‬

      ‫للكثير من أشكال التراث المنتمي إليه‪ ،‬وهكذا‬                      ‫داخل بنية الن ِّص‪ ،‬بسبب اتساع الدلالة‪ ،‬أو طرح‬
   ‫انبعثت فكرة البحث عن ألوان هذا الاستدعاء في‬                                                         ‫معنى جديد‪.‬‬
‫هذا الديوان (أرعى الشياه على المياه) تحدي ًدا‪ ،‬كون‬
                                                                             ‫الاتكاء على التراث‬
     ‫التناص آلية من الآليات التي تبحث بين طيات‬
    ‫النص لكشف حقيقتها‪ ،‬لأنه في حقيقة الأمر هو‬                           ‫الشاعر آثر الاتكاء إلى التراث ‪-‬في مناطق عدة‬
                                                                    ‫داخل الديوان‪ -‬بطريقة شعرية خاصة‪ ،‬فإذا تأملنا‬
                      ‫تمازج بين نصوص عديدة‪:‬‬
                       ‫« َفإِ َل َمن َن ُز ُّف َب َنا ِت َنا؟ َمن‬

                         ‫َيس َت ِطي ُع الآ َن أن َير ُق َص‬
                     ‫َو ُي َغنِّي؟ َمن َتس َت ِطي ُع الآن أن‬
   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96