Page 86 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 86
العـدد 26 84
فبراير ٢٠٢1
وفي معرض حديثه عن المحاكاة باعتبارها تقلي ًدا الخطاب»(.)35
لما هو موجود في العالم المثالي الموازي لعالم أصبحت القصيدة ذا َت جس ٍم طباعي ،ولها هيئة
بصرية ،ويرتبط بهذه الهيئة الظاهرة أبعاد أخرى:
المحسوسات ق َّسم أرسطو الفنون إلى نوعین: ظاهرية وعضوية ومعرفية تساهم في تلقي النص
«فنون جمیلة كالرسم والشعر والموسیقى،
وفنون عملیة كفن العمارة والنجارة»(.)39 بهذا الشكل ،فالبحث الفلسفي في إبسمولوجيا
واتسع مفهوم الشعرية عند (ياكبسون) ليضم المشاهدة وسيميوطيقية الصور والعلامات
مع الشعر أنماط التعبير الأخرى «فكل محاولة
لاختزال دائرة الوظيفة الشعرية أو لقصر الشعر البصرية ،وحول البعد السيكولوجي للمجال
على الوظيفة الشعرية لا تؤدي إلا إلى تبسيط مفرط البصري ،وسيضم هذا فضاءات ذات بعد ظاهراتي
ومضلل»( )40ولعل أقدم نص نعرفه في تاريخ وعضوي ومعرفي تتعلق بالتفاعل الإبصاري وهي
الأدب والنقد الغربي عن تلك العلاقة الساحرة درس اجتماعي عن صيغ العرض والتفرج البصري
والغامضة بین الشعر والفنون التشكیلیة
هي العبارة المنسوبة إلى سيمونديس..التي یقول وأنثروبولوجيا المشاهدة”(.)36
فيها «إن الشعر صورة ناطقة أو رسم ناطق ،وإن النص بتركيبته يسعى إلى كسر النمطية المتوارثة
الرسم أو التصویر شعر صامت»(.)41 عبر القرون ،وربط النص بالنظر؛ لأنه في حالة
يتضح لنا من هذا العرض أن الفضاء النصي يتعلق إهمال التلقي البصري لا يمكن للآذان (السمع) أن
تدرك الشكل في أبعاده الخاصة تلك ،كما لا يمكن
بكل تشكيل طباعي تتمظهر فيه صورة الكتابة، للصيغة الشفوية للعرض أن تقدمه بتلك الصورة،
وفق تنظيم خطي يختلط فيها البياض بالسواد
فكل قصيدة دعوة للمتلقي تجعله يتفاجأ بفضاء
اتصا ًل وانفصا ًل ،وهذا ما يؤدي إلى تشكيل نصي مختلف تبعا للتجربة ،هذا ما جعله محمد
صورة متنوعة للنصوص بأشكال كتابية مختلفة مفتاح «أيقو ًنا» ترتبط به القصيدة بشكل ضروري،
واقعية وتجريدية؛ فالفضاء الطباعي (النصي) وبالمؤشر الكنائي مهما كان نوعهما»(.)37
علامة من العلامات في علم السيميائيات ،تسهم على الكتابة ليست تنظي ًما للأدلة على أسطر أفقية
تلمس المتلقي الدلالات العميقة للنص ،وهذا الفضاء متوازية ،إنها قبل كل شيء توزيع البياض وسواد
حسب الحالة الشعورية على مسند ،إننا عندما
(البياض /السواد) هو الحيز الذي تشغله الكتابة نكتب يكون الفضاء الخطي ،وتنظيم الكلمات على
باعتبارها أحر ًفا طباعية على مساحة الورق؛ لأن الصفحات والهوامش والفراغات ،هو المعبر عن
«الكتابة هي التجلي الكامل للخطاب»(.)43 الداخل.
فهي تحتفي بالفراغ ،وتحاول أما الشعريات المعاصرة فقد أولت المكونات
إعادة بناء المكان وفق بنية البصرية في النص الشعري اهتما ًما يكاد يكون
مغايرة تحكمها معادلة استثنائيًّا ،حيث ع َّد تودوروف ()Todorov
البياض والسواد، التنظيم الفضائي عنص ًرا أساسيًّا مكو ًنا لبنية
على اعتبار أن النص الشعري استنا ًدا إلى مقاربته لبعض النماذج
«المكان وبياض الشعرية مثل الرسوم المشكلة بالحروف»(.)38
الصفحة وقد اعتبر أرسطو قدی ًما الرسم والنحت
صارا من والموسیقى والرقص أشكا ًل شعریة؛ لأن
(الشعرية) في تصوره هي العالم الذي تلتقي
عنده جمیع الفنون والأجناس الأدبیة وغیر
الأدبیة ،فالشعریة موجودة في الطبیعة
والكون والكائنات والأشياء ،ولذا نقول إنسان
شاعري ومنظر شاعري وموسیقى شاعریة،