Page 90 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 90

‫العـدد ‪26‬‬                                   ‫‪88‬‬

                                                    ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

    ‫إذا تأ َّمل القارئ سيرورة علامات الترقيم‪ ،‬وما‬   ‫الفهم والإفهام‪ ،‬فعلامات الترقيم لا ينظر إليها‬
 ‫تبثه من إيحاءات ودلالات لأدرك أن الشاعر يعبر‬
                                                        ‫وإنما هي ضرورة‬        ‫كتاب ٌّي زائ ٌد‪،‬‬  ‫على أنها ترف‬
    ‫عن حالته النفسية التي تعتصر ذاته بالفراغات‬      ‫الكتابة بد ًل من الثقافة‬  ‫الاعتماد على‬      ‫حتمية تطلبها‬
‫وعلامات الترقيم؛ لتؤدي دلالات قد لا تؤديها اللغة‬    ‫السمعية‪ ،‬وهو يعني لغ ًة «وضع رموز مخصوصة‪،‬‬
‫ذاتها‪ ،‬في توجيه الدلالات بأبعاد نفسية متغورة في‬
                                                    ‫في أثناء الكتابة‪ ،‬لتعيين مواقع الفصل والوقف‬
   ‫باطن الشعور لدى الشاعر‪ ،‬وقد أراد أن يتركها‬
  ‫مفتوحة كانفتاح رؤاه‪ ،‬وتوتر أحاسيسه الداخلية‬       ‫والابتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض‬
   ‫واحتدامها؛ فيلوذ إليها تنفسيًّا عما يعتصره من‬
 ‫جراح‪ ،‬وآلام‪ ،‬وتطلعات‪ ،‬ور ًؤى مكثفة لا يستطيع‬                    ‫الكلامية‪ ،‬في أثناء القراءة»(‪.)56‬‬
 ‫تحقيقها‪ ،‬فيتركها في حيز الفراغ أم ًل في تحقيقها‪.‬‬
                                                    ‫شأن هذه العلامات‪ ،‬شأن علامات المرور التي‬
    ‫إن علامات الترقيم قد تتجاوز دورها بوصفها‬
‫أيقوناتها البصرية لتدخل في صلب الرؤيا‪ ،‬ومبعثها‬      ‫توضع لإرشاد السائق في الطريق‪ ،‬فمن يتقيد بهذه‬
‫التحفيزي (الدلالي) في النص‪ ،‬لتكون الموجه البؤري‬
                                                    ‫القوانين ستكون رحلته في القراءة‪ ،‬رحلة شيقة‬
     ‫لسيرورة الدلالات‪ .‬إن غياب أو تغيير علامات‬
   ‫الترقيم غالبا ما يكون سببًا في اتساع الدلالة أو‬                            ‫بعيدة عن الملل والتعب‪.‬‬
 ‫إنتاج معنى نقيض‪ .‬لهذا السبب ‪-‬حسب ليوطار‪-‬‬
   ‫امتنع أرسطو عن ترقيم نصوص «هيراقليطس»‬            ‫ويقصد الباحث في هذا المقال استخدام الشاعر لهذه‬

             ‫خو ًفا من منحها معنى مضا ًّدا(‪.)60‬‬     ‫العلامات في الشعر؛ «لتبث إلى القارئ المكبوتات‬
  ‫استخدام علامات الترقيم يتفق مع وظيفة السرد‬
  ‫الفنية‪ ،‬إذ تقوم «بترتيب الأحداث المتوالية بطريقة‬  ‫الداخلية التي تعجز عنها اللغة ذاتها بسوادها‬

    ‫مختلفة؛ لنكتشف بنية العالم الممثل انطلا ًقا من‬               ‫الخطي أن تكشف عنها»(‪.)57‬‬
  ‫العلامات الناتجة»(‪ ،)61‬فتصبح مؤثرة في توزيع‬       ‫هذه العلامات كأ ّنها الكولاج؛ فعلامات الترقيم‬
                                                    ‫دوا ٌّل بصرية تتفاعل مع دوا ِّل اللغة في إنتاج المعنى‬
      ‫النص‪ ،‬وتكشف عن هيمنة السرد‪ ،‬وتوضيح‬
   ‫الأبعاد الجمالية‪ ،‬كما تسهم في انفتاح النص على‬    ‫وتنظيم المفصل في الخطاب الشعري‪ ،‬وفي أعمال‬

               ‫أفق مغاير‪ُ ،‬يعبّر عن تجربة النص‪.‬‬     ‫رفعت سلام استدرج علامات الترقيم لخدمة‬
        ‫ارتبط الاهتمام بعلامات الترقيم بالاهتمام‬
                                                    ‫منحاه الإبداعي التجاوزي وعاملها معاملة الدوال‬

                                                    ‫اللغوية‪ ،‬وذلك بشحنها لدلالات ووظائف تساهم في‬

                                                    ‫تلقي ن ِّصه الإبداعي‪« :‬تتفاعل مع الدوال اللغوية في‬
                                                    ‫إتمام المعنى‪ ،‬وإنتاج الدلالة‪ ،‬وتنظيم المفاصل المهمة‬

                                                                 ‫في الخطاب الشعري»(‪.)58‬‬
                                                    ‫(أ َضع َت ِمن ُخ َطا َي ال َّط ِري َق‪َ ،‬و ِمن َب ِصي َر ِتي الم َدى؛‬
                                                                                            ‫َل ِكنِّي‬
                                                     ‫ال ِجن َرا ُل ال َمو ُعو ُد ال َمن ُذو ُر َل َها ُمن ُذ الأ َز ِل ال َما ِضي؛ لا‬
                                                                                             ‫َح َرا َم‬

                                                    ‫ِ َّف‪ ،‬لا َح َرا َم ِفي َك‪ ،‬ا َنا الم َبا َح ُة َفاس َتبِحنِي؛ َف َهل َنط ُهو‬
                                                                                           ‫أط َفا َل َنا‪،‬‬
                                                     ‫أم َنأ ُك ُل ان ُف َس َنا؟ لا َط ِري َق‪َ ،‬بع َد الآن‪ ،‬أ َنا ال َّط ِري ُق‬
                                                                                        ‫َوال َح ِري ُق‬

                                                    ‫َوال َّر ِفيق؛ ا ُّي َها ال َه َم ُج‪َ ،‬يا َح َش َرا ِت الار ِض‪َ ،‬ل ُكم ال‬
                                                                                                ‫‪،T62‬‬
                                                    ‫َوال‪َ ،F16‬والأ َبات ِشي؛ ِتل َك أب َج ِد َّيتي النَّا ِج َعة؛ أ َنا‬
                                                                                   ‫ال َمرأ ُة النَّا ِف َر ُة‬

                                                      ‫إِ َلي َك‪َ ،‬خ َلع ُت أب َوا ِبي َو َن َوا ِف ِذي‪ ،‬أ َزل ُت ُجد َرا ِني‬
                                                                                      ‫َوأسلا ِكي‬

                                                    ‫ال َّشا ِئ َك َة َلك؛ َل َنس ِرق َو ُس ِرق َنا‪َ ،‬ل َنن َهب)(‪)59‬‬
   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95