Page 87 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 87

‫‪85‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

      ‫البصري في الشعر الجزائري المعاصر(‪.)45‬‬                  ‫القصيدة‪ ،‬ومن البناء الشعري‪ ،‬والقلق الداخلي الذي‬
 ‫هذه القصيدة تعتمد على الصورة البصرية بجانب‬                      ‫ينعكس على تحرير النص‪ ،‬وعلى طريقة ترتيب‬
                                                                   ‫كلماته وطريقة قراءتها‪ ،‬وهذا بعد أن صارت‬
    ‫التعبير بالصورة اللفظية؛ لذا لم يعد المعروض‬                   ‫القصيدة جس ًما طباعيًّا وحي ًزا مكانيًّا‪ ،‬يتفاعل‬
 ‫ن ًّصا بل هو إلى جانب النص فضاء صوري شكلي‬                      ‫مع التقنيات الجديدة قدر تفاعله مع الأحاسيس‬
                                                                   ‫والمشاعر»(‪ ،)44‬فهذه القصيدة البصرية من‬
   ‫لا يخلو من دلالة تتحكم فيها مقصدية الشاعر؛‬                         ‫القصائد التي تساير واقع الحياة المرتبطة‬
  ‫وبنا ًء عليه فالتحول هو إشراك السمع مع البصر‬
                                                             ‫بالمدركات الحسية‪ ،‬والاهتمام بكل ما يمنحه النص‬
      ‫في تلقي النص الشعري؛ لذا انطلق بعض من‬                     ‫على مستوى البصر‪ ،‬أو على مستوى البصيرة‪/‬‬
    ‫الشعراء للاهتمام بالشعرية البصرية‪ ،‬وتنظيم‬                                                        ‫الخيال‪.‬‬
  ‫الشكل الكتابي؛ فالشاعر يشارك في نمط الطباعة‪،‬‬
  ‫وهذا الديوان (أرعى الشياه على المياه) تم تنظيمه‬             ‫بل إن بنية التشكيل البصري في النص سلاح فني‬
    ‫كام ًل من جهة الشاعر رفعت س َّلم؛ حتى ظهر‬                  ‫يحاول الشاعر به تحقيق وظيفتين‪ :‬الأولى منهما‬
‫بهذه الصورة؛ فأسلوب الطباعة يشارك في الإيحاء‬                      ‫دلالية‪ :‬وتتلخص في تفجير المكبوت السياسي‬
                                                               ‫والاجتماعي والأيديولوجي‪ ،‬بل مجمل القضايا‬
                                       ‫والدلالة‪.‬‬              ‫التي لم تسعفه الوسائل التعبيرية الاعتيادية‬
                              ‫إِ َل َمن ا َت َكلَّ ُم الآن؟‬     ‫في تسريبها أو التعبير عنها؛ فالبياض أو‬
                         ‫إِ َل َمن ا َت َكلَّم الآن؟(‪)46‬‬
    ‫تتش ّكل ال ّصفحة المخطوطة من وحدات صغيرة‬                 ‫الفراغ الذي يتعمد الشاعر المعاصر الحوار‬
 ‫تتدرج من النقطة إلى الحروف ثم الكلمات فالجمل‬                     ‫معه‪ ،‬ليس مجرد لعبة شكلية‪ ،‬بل إنه‬
   ‫لتصل إلى تشكيل نص بهيئة معينة‪ .‬في القصيدة‬
  ‫المعاصرة‪ ،‬والاستشهاد السابق يوجد في صفحة‬                       ‫يتحول في كثير من السياقات الشعرية‬
        ‫بيضاء‪ ،‬والإطار الموضوع من عند الباحث‪،‬‬                   ‫إلى قناع شعري يفجر من خلاله‬
       ‫والعبارة تكشف تضافر اللفظي بالبصري‪،‬‬                     ‫المسكوت عنه‪ ،‬في زمن كهذا‬
 ‫والبياض جز ٌء من النص؛ للتأكيد على الرسالة (إلى‬
 ‫من أتكلم الآن) وظاهرة (البياض‪ /‬الصمت) جزء‬                           ‫تكمم فيه الأفواه‪.‬‬
    ‫من التشكيل الشعري؛ فالصمت قد يكون أكثر‬                    ‫أما الوظيفة الثانية فهي‬
 ‫كثافة؛ وأداة من أدوات الإيقاع البصري‪ ،‬وتشعير‬                 ‫وظيفة جمالية‪ ،‬تتحقق‬
     ‫الرسالة‪ ،‬وورود البياض في الصفحة المكتوبة‬
    ‫كاملة إلا من عبارة أو عبارتين‪ ،‬أو في الأعلى أو‬               ‫في النص من خلال‬
  ‫في الوسط‪ ،‬أو في نهاية الصفحة إعلان عن تفاعل‬                    ‫جملة من العناصر‬
      ‫الصمت مع الكلام الخ ّطي‪ ،‬وتفاعل البصري‬                   ‫وأهمها الاقتصاد في‬
   ‫مع السمعي في بناء إيقاع خاص بالنص‪ ،‬ونشر‬                      ‫لغة الشعر‪ ،‬وذلك‬
‫البياض يؤدي إلى الانفعال البصري وتشويش أفق‬                    ‫بتكثيف البياض‬
 ‫المتلقي‪ ،‬للقصيدة بصورة طبيعية‪ ،‬ويع ُّد عام ًل على‬            ‫(في الصفحة‬
                         ‫تحريك مجريات النص‪.‬‬                     ‫الشعرية)‬
‫فقد اهتم رفعت س َّلم بتقديم نصوصه الشعرية في‬                   ‫فض ًل عن‬
 ‫شكل بصري خاص‪ ،‬حر ًصا منه على إثارة فضول‬                        ‫استقطاب‬
      ‫المتلقي (القارئ)‪ ،‬الذي لم يعهد هذه الأشكال‬                 ‫التشكيل‬
    ‫الشعرية‪ ،‬التي تحاول تعميق الدلالة عن طريق‬
‫هذه المزاوجة في العرض بين الكلمة والشكل‪ ،‬ومنه‬
  ‫توجب علينا الاعتراف بوظائف الشعر والاقتران‬
   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92