Page 81 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 81

‫‪79‬‬               ‫إبداع ومبدعون‬

                 ‫رؤى نقدية‬

‫تزفيتان تودوروف‬                 ‫جوزيف فرانك‬                                          ‫في حديثه عن الشعر‪ :‬إن من واجب الشاعر أن‬
                                                                                    ‫يخلقه جدي ًدا‪ ،‬وأن يخلقه غريبًا‪ ،‬وإذا نظرنا إلى‬
       ‫الشاعر بالفضاء الكاليغرافي الن ّص ّي‪ ،‬لتبدو‬                               ‫تطبيق الشكلانيين الروس لمبدأي الجدة والمفاجأة‬
‫القصيدة ذات مسارب دلاليَّة متع ِّددة‪ ،‬تبث إيقاعها‬
                                                                                                    ‫حكمنا أن الأمر نسبي»(‪.)20‬‬
      ‫الشعور ّي النفسي من خلال توزيع الكلمات‬
  ‫وتنسيق أبعادها‪ ،‬تب ًعا لنفثاته الشعور ّية المبثوثة‬                                       ‫هندسة الصفحة‬
  ‫من أعماقه‪ ،‬بل إن الشاعر يرسم لوحة تشكيلية‬
‫تبث أل ًقا جماليًّا مرتب ًطا بالتشكيل الفني‪ ،‬وهندسته‬                                  ‫يرتبط بتعدد الأصوات داخل الديوان تقسيم‬
                                                                                 ‫الصفحة المطبوعة؛ بمعنى الطريقة التي َيعم ُد فيها‬
     ‫بأشكال كتابيَّة تفرض أنساقها الجماليَّة على‬
   ‫القارئ‪ ،‬وتفاجئه على المستوى الشكلي والدلالي‪.‬‬                                     ‫الشاعر إلى استثمار وتوظيف مساحة الصفحة‬
   ‫يقترب الشاعر رفعت س َّلم في منحاه التشكيلي‬                                     ‫في إنتاج دلالة النص الشعري؛ فالصفحة البيضاء‬
    ‫الجمال ّي إلى خلق حدث شعري مثير‪ ،‬بالانتقال‬                                   ‫عبارة عن حيِّز مكاني‪ ،‬يستطيع الشاعر من خلاله‬
                                                                                  ‫استثمار مساحته بخصوصيته التي يطمح إليها‪،‬‬
 ‫من مشهد حياتي واقعي‪ ،‬إلى آخر؛ فنجده يصور‬                                       ‫وتأويل المتلقي لهذه الخصوصية‪ ،‬فالشكل الإبداعي‬
   ‫(لا ُو ُرو َد َولا ابتِ َسا َما ٍت َزا ِئ َف ًة َبع َد الآن َل َعس َك ِر‬
                                                                                   ‫للنَّص الشعري يظهر في تشكله بالدوال اللغوية‬
 ‫الأم ِن المر َك ِزي‪ ،‬لا ُو ُرو َد لِل ُّش َه َدا ِء ِف ِظ ِّل ال َقنَّا َص ِة‬                                         ‫وغيرها‪.‬‬
   ‫الم َت َر ِّص ِدين؛ ا ُّي َها ال ِكلا ُب ال َق َت َل ُة‪ ،)21():‬ثم ينتقل‬
  ‫إلى‪ِ ( :‬من اي َن َيأ ِتي ال ُّص َرا ُخ َوال َع ِويل(*)؟‪ /‬أ ُّي َها‬               ‫ديوان رفعت سلام يتم تقسيم الصفحة فيه بين‬
   ‫ال َعس َك ُر‪ ،‬ال َع َس ُس‪ ،‬لا‪َ /‬ع َصا ِفي َر َبع َد ال َيو ِم‪ ،‬لا‪/‬‬                 ‫صوتين غالبًا‪ ،‬وفي أحيان يحتوي على هامش‬

‫َشق َش َقة او َبق َب َقة أو‪َ /‬زق َز َقة‪ ،‬لا َه ِدي َل أو َع ِوي َل‪/،‬‬               ‫لأي من الصوتين أو كليهما‪ ،‬مع تداخل أصوات‬
  ‫لا َن ِحي َب أو َو ِجي َب؛ َهيَّا‪ /،‬ان َطلِ ُقوا َص ًّفا َوا ِح ًدا‪/‬‬           ‫عارضة داخل المربعات‪ ،‬وهي من التجارب الفريدة‬
      ‫ُمن َت ِظ ًما َع َل إِي َقا ِع‪ /‬ال ُّط ُبول َوالأب َواق)(‪.)22‬‬
                                                                                   ‫في الشعر المعاصر‪ ،‬إذ قام الشاعر بتنفيذ الشكل‬
                                                                                 ‫الطباعي بنفسه؛ توزيع الأسطر‪ ،‬مساحات البياض‬

                                                                                             ‫والسواد‪ ،‬علامات الترقيم‪ ،‬الهوامش‪.‬‬
                                                                                   ‫يعمد الشاعر إلى إنشاء بصرية خاصة‪ ،‬وتمازج‬
                                                                                 ‫فني بين فني الشعر والرسم (الميتالساني)؛ مكو ًنا‬
                                                                                  ‫مزي ًجا دلاليًّا من الصورة واللغة بطريقة إبداعية؛‬
                                                                                   ‫بما يفتح المجال أمام عناصر فضائية للنص من‬

                                                                                                ‫خلال الخط‪ ،‬وإشراك عين المتلقي‪.‬‬
                                                                                ‫وخاصية التعليق تشكل خاصية سردية تساهم في‬

                                                                                   ‫استمرارية النص الشعري‪ ،‬من حيث إن التعليق‬
                                                                                      ‫يندرج ضمن خانة التفسير‪ ،‬الطبيعي أو فوق‬

                                                                                  ‫الطبيعي للأحداث‪ ،‬وخاصية التمدد ويمكن إدراج‬
                                                                                 ‫هذه الحركة ضمن الفاعليات الزمنية التي تؤسس‬

                                                                                      ‫زمن الخطاب‪ ،‬وهذه التوسعات‪ ،‬والامتدادات‬
                                                                                 ‫السردية تساهم في تكسير البنية السردية‪ ،‬وخلق‬

                                                                                   ‫بنية متوترة تتجلى في الزمن المشدود بين قطبي‬
                                                                                              ‫التوسع والتمدد؛ إنه الزمن المتحول‪.‬‬

                                                                                  ‫هذا النص (الديوان) لا يعتمد على توزيع الأسطر‬
                                                                                     ‫الشعر َّية بفضاءات بصر َّية‪ ،‬تؤ ِّكد مدى تلاعب‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86