Page 79 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 79

‫‪77‬‬                                                                ‫كما نجد أصوات الطغاة التي تعبر عن‬
      ‫العنوان الذي بين أيدينا يشكل مرتكًزا‬                                                      ‫الظلم‪:‬‬

  ‫دلالًّيا‪ ،‬ينبني عليه فعل التلقي‪ ،‬بوصفه أعلى‬                                  ‫َها َها َها َها؛ ا ُّي َها ال َق ِطي ُع‬
‫سلطة تل ٍّق ممكنة‪ ،‬ولتميزه بالاقتصاد اللغوي‪،‬‬                                    ‫االل ِذُجري أِف ُ‪،‬سإِو َ ُقله‪َ ،‬ح َتع َِفله؛ َحَها َّفل ِة‬
                                                                              ‫َق َضم َت الآ َن َما َيك ِفي ِمن‬
‫في مقابل الاتساع الدلالي‪ ،‬ولاكتنازه بعلاقات‬                                  ‫أع َشا ِب النَّ َدم؟ َهل ار َت َوي َت‬
                                                                             ‫ِب َما َيك ِفي ِمن َما ِء ال َهذ َيان؟‬
 ‫إحالة (مقصدية) حرة إلى العالم‪ ،‬وإلى النص‪،‬‬                                 ‫َليلُ َنا الآ َن َخم ٌر‪َ ،‬و َغ ُد َنا َخم ٌر‪،‬‬
                                                                              ‫إِ َل أن َتن َف َد ُك ُرو ُم الأر ِض‬
      ‫وإلى المتلقي‪ ،‬وكونه علامة دالة‪ ،‬فإليه‬                                  ‫َوال َّس َماء؛ َفأن َت َمن ُذو ٌر ِل‪،‬‬
                                                                          ‫َوأ َنا َل َك؛ إِ َل آ ِخ ِر ال َّشو ِط(‪)12‬‬
 ‫تجتمع ال َّدوال الأخرى على اختلافها لتؤسس‬                  ‫يهدف النص إلى تعرية الواقع بكل تناقضاته‬
                                                              ‫وانهزاماته‪ ،‬و»التعددية» في العمل الإبداعي‬
  ‫‪-‬اعتما ًدا عليه‪ -‬أنسا ًقا دلالية منسجمة‪ ،‬وهو‬                 ‫كانت المنطلق لاعتماد الشاعر على توظيف‬
                                                              ‫الرسم داخل النص الشعري‪ ،‬النص يعتمد‬
    ‫صلة الاتصال الأولى مع المتلقي‪ ،‬أو العتبة‬                    ‫على تعددية الأصوات والإيقاعات‪ ،‬وهذه‬
                                                             ‫التعددية فتحت المجال إلى الاندماج البصري‬
         ‫التي يطل منها على العمل الإبداعي‬                                   ‫واللغوي داخل بنية النص‪.‬‬
                                                        ‫الشعر في بح ٍث دائ ٍم وشغو ٍف عن طرائق جديدة؛‬
       ‫الكثير من الابتكارات الطباعية تحاول بصورة‬            ‫«لتنسجم مع الذوق المستجد‪ ،‬ليعطي مفهو ًما‬
     ‫واضحة تحقيق بعض تأثيرات الفن التصويري‪،‬‬                 ‫مضا ًفا إلى شكل القصيدة بهندسة معمارية‪،‬‬
                                                        ‫يخصها الشاعر بوضع تصاميم شكلية‪ ،‬متوازية‬
        ‫وكان (ليسنغ ‪ )Lessing‬قد فصل بين الفن‬          ‫مع مضمون الكلمات لتشييد بناء قصيدته‪ ،‬يضاف‬
   ‫والشعر على أساس أن الأول له وجود في الفضاء‪،‬‬             ‫إلى ما يعرف بالمضاف إليه في دلالة الصورة‪،‬‬
                                                       ‫وقد ساعدت التوازيات المضافة على تنمية حدوس‬
     ‫والأخير له وجود في الزمن‪ ،‬لكنه في الفترة التي‬         ‫القارئ‪ ،‬ورحابة مخيلته»(‪ ،)13‬لتحقيق أهداف‬
     ‫صيغ فيها مفهوم الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬ربما كان من‬            ‫الأدب «ليحقق التركيب الفضائي الذي رأى فيه‬
     ‫الطبيعي التفكير بربط الاثنين كطريقة في إظهار‬      ‫جوزيف فرانك ‪ Joseph Frank‬واح ًدا من أهداف‬
      ‫أن البعدين ليسا منفصلين عن بعضهما»(‪،)15‬‬          ‫الأدب الحديث»(‪ ،)14‬والسعي إلى تضافر والتحام‬
     ‫والشكل البصري على البياض متمم لبناء النص‪،‬‬          ‫البياض والسواد‪ ،‬وإظهار هذه الثنائية (اللغوية‪/‬‬
     ‫ومكمل للمعنى‪ ،‬وعندما يو ّظف الشاعر العناصر‬             ‫التشكيلية) من خلال تماسك النص‪ ،‬وصراع‬
                                                          ‫(الكلمة‪ /‬الفراغ) في شكل تناغم لفظي بصري‪.‬‬
         ‫التشكيلية فإنه ينشد جمالية مغايرة للتراث‬          ‫وكان الهدف وراء التجريب الطوبوغرافي ع َّدة‬
        ‫الشعري (المعتمد على جمالية الإنشاد)‪ ،‬وهي‬        ‫مقاصد‪ ،‬وقد سعى المبدعون من استخدامه إثارة‬
      ‫جمالية تعتمد على التكوين البصري‪ ،‬واستثمار‬       ‫استجابات خارج نطاق الصفحة المطبوعة الاعتيادية‬
        ‫طاقاته؛ وصو ًل إلى غير الاعتيادي والمدهش‪.‬‬         ‫و»التغلب على تفككات عديدة للحساسية‪ ،‬حيث‬
      ‫و ُي َع ُّد التشكيل البصري «بنية أساسية من بنى‬   ‫يمكن أن يلتقي الشعور والنشاط العقلي إضافة إلى‬
     ‫الخطاب الشعري الحديث‪ ،‬ودا ًّل ثر ًّيا يوجه فعل‬       ‫خرق ستار المعروف‪ ،‬الذي أقامته الطباعة‪ ،‬فإن‬
        ‫التلقي؛ استنا ًدا إلى أدوات مفهومية تمكن من‬
   ‫دراسة شكل العلاقات‪ ،‬ليس بوصفه مع ًطى ثابتًا‪،‬‬
 ‫بل بوصفه صي ًغا متحولة‪ ،‬تنتظم وتشتغل على نحو‬

                       ‫يسهم في إنتاج الدلالة»(‪.)16‬‬
         ‫وقد ع ّد مالارميه ‪ Mallarme‬شكل الكلمات‪،‬‬

          ‫والأحرف‪ ،‬أو شكل القصيدة على الصفحة‬
   74   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84