Page 77 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 77
75 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الأصوات وتتناغم فيما بينها،
وعليه تتعدد أنماط الوعي،
مرتب ًطا بالتعدد اللغوي.
يتج ّل ذلك في ديوان رفعت
سلام (أرعى الشياه على
المياه) ،وسنسلط الضوء
على تعدد الأصوات في هذا
الديوان المكتوبة بالطريقة
الأفقية؛ حيث تتعدد الأصوات
وتبرز شخوص نصيّة وكذلك
حدثية نصيّة وتعبيرات نصيّة
أسلوبية كاشفة عن الرؤى،
وهذه البوليفونية إحدى
وسائل الشاعر للقضاء على
الغنائية (الصوت الواحد).
فيكتور شكلوفسكي مالارميه ميخائيل باختين إ َّن تط ُّور القصيدة الحداثيَّة
لا يقتصر على كسر النمط
الشكليّ ،أو خر ٍق للأساليب
ولأن هذه الأصوات تتحقق في شكل شعري ،فلا الشعر َّية المُتَّ َب َعة ،بل يكون انعكا ًسا لباطن الشاعر،
بد من الاهتمام باللغة الاهتمام الأقصى الممكن، ويكون الشكل ناب ًعا من المضمون ولا يكون
ولا يمكن أن تكون اللغة ،في هذه الحالة ،ذات الاعتماد على الشكل اللغوي ،ولكي يحقق النص
الحداثي هذه المعادلة -كسر النمط السائد -عليه أن مستوى واحد .فمستويات اللغة تتضمن مزي ًجا
من مستويات متعددة ،من المستوى اللغوي التراثي يكسر الأفق الضيق ،والرؤية المفردة ،أو المعزولة
لتحقق وجوده ،وتكامله الجمال ّي ،وألقه النفسي
في الشعر القديم حتى مستوى الفصحى المتداولة،
مرو ًرا بع َّدة مستويات. أو الفكري في ذهن المتلقي ،والقصيدة المميّزة
الشاعر يعتمد على أصوات متعددة في النص ،وعلى -حقيقة -هي القصيدة التي تسعى إلى شخصيتها
هوامش ترتبط بهذه الأصوات ،كما يعتمد على وأدواتها الخاصة غير المستهلكة ،أو القصيدة
مجموعة أصداء ترتبط بالصوت ،ولا تتداخل بشكل الانبعاثية التي تنبعث من رماد كلماتها ليخط ألقه
مباشر ،وتمييز الخط تمييز للصوت ،أصوات برؤى مفتوحة.
معبرة عن الألم والعذاب الإنساني ،عبر التواريخ (تعدد الأصوات) مطروح في أعمال رفعت س َّلم
الشعرية ،فالعالم لا ينطق صو ًتا واح ًدا ،بل أصوات والأساطير الغابرة والراهنة:
الصوت الرئيس الذي يبدأ من بداية الديوان: كثيرة فوق الحصر .أصوات متشابكة ،متقاطعة،
ا َ َمناب ُهالو ُغًر َارا( ُ َبياااللنَّلاه ِع! أق،هأَُو َرافل ِرِعي ُدف؟ َفاوم َقماهل َار َطجلاا ٌن ِلَ ،ما َ)س؛ ِع َتي ًدحاتِي
ال ُّر َكا ُم َوال َخ َرا ِئ ُب َزا ِه َر ٌةَ ،تحتِي ال َح َرا ِئ ُق َبا ِه َر ٌة، من جغرافيات وأزمنة مختلفة ،منذ «الفلاح
أشلا ٌء الفصيح» ونبوءات إيبور ،إلى طرفة بن العبد ،إلى
ُم َت َطا ِي َر ٌة ،وال ُّد َخا ُن َي َّصا َع ُد ِم َن أق َسا ِم ال ُبولِي ِس،
تأبط ش ًّرا ،إلى لاوتسي ،فبوشكين وريتسوس
ا َولالِمحزخبِِب ِرايلنَحاَو ِاكل ِمُّ ،اضلبَّاَع َِرط َ،باالِت ُّالصمُ ُح َصِفَّف َ َحوةَق َن َ َوواالم َِدت َّرا َلعتِّالِيِت ِف،ز ُيون، ونيرودا ،إلى بائع الجرائد في مدينة مصرية ،إلى
صخب مترو مصر الجديدة ،إلخ .أصوات تختزن
أزمن ًة وتواريخ وطبقات من آلام ومباهج صغيرة
وعناء.