Page 72 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 72

‫العـدد ‪26‬‬    ‫‪70‬‬

                                                    ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

            ‫أنه سطح ماء ُكتب‪:‬‬                         ‫الشكلي وتماسه مع المقول الشعري بالكيفيات‬
‫(لي أن أصر َخ الآن أو أصه َل أو أعو َي أو أنب َح‬                      ‫التجريبية كافة لرفعت سلام‪.‬‬
‫أو أمو َء أو أشقش َق أو أبقب َق أو أزقز َق أنا‬
‫الحيوا ُن البر ُّي أعدو وراء سها ِم الصائدين‬                 ‫فلماذا‪ ،‬إذن‪ ،‬مثَّل هذان الديوانان طفرة‬
            ‫وكلابهم)‬                                       ‫تجريبية؟ لأن الشاعر لم يكت ِف بالأطوار‬
                                                     ‫التجريبية التي ألمحنا إليها ساب ًقا‪ ،‬بل أدخل على‬
‫في أسفل الصفحة على اليمين‪ ،‬صورة جعران‬               ‫فضاء الورق عناصر بصرية أخرى مثل الرموز‬
                                                     ‫الفرعونية والعبارات الأيقونية التراثية‪ ،‬وحشد‬
‫(خنفساء)‪ ،‬وفي منتصف الأسفل صورة كلب‪،‬‬                   ‫من الأصوات الشعرية المتداخلة ما فاضت به‬
                                                    ‫الصفحة الواحدة‪ ،‬ويتساءل القارئ عن سر هذا‬
‫وفي أقصى اليسار كتب ما يشبه الهامش النازل‬               ‫الازدحام البصري الفائض عن المتن اللغوي‬
‫من أعلى إلى أسفل استكما ًل للنص السابق‬                 ‫الأساس‪ ،‬للدرجة التي ُيعت َقد معها أن الشاعر‬
                                                     ‫ينفض صفحاته نف ًضا في اشتعال التجربة حال‬
            ‫المكتوب تحت الشمس‪:‬‬                      ‫كتابتها‪ ،‬وكما ألمحت في أكثر من موضع سابق‪،‬‬
       ‫(وأمتطي ُتها إلى سو ِق اللصو ِص والقتل ِة؛‬   ‫حينما حاولت استكناه جدوى الهامش في وجود‬
‫آخ ُر‬  ‫هذا‬  ‫واح ٌد فه َّزت ذيلها‪ ،‬وقالت‪:‬‬  ‫فراودها‬    ‫المتن‪ ،‬وأنه امتداد للرؤية الشعرية لما هو خارج‬
                ‫فلتفر ْح‪ ،‬ولكني بكي ُت)‬   ‫الشو ِط؛‬      ‫النص‪ ،‬أقول الكلام نفسه وإن بكثافة أعمق‪،‬‬
                                                        ‫بحيث يتجاوز الأمر هنا الحديث عن تداخل‬
‫هذا وصف إطاري لصفحة واحدة تمثل مفتتح‬                    ‫الأصوات داخل النص‪ ،‬إلى تداخل النصوص‬

‫ديوان (حجر يطفو على الماء) وتتكرر على نحو‬                     ‫داخل النص كذلك‪ ،‬فكيف حدث ذلك؟‬
                                                          ‫في فاتحة (حجر يطفو على الماء) يبدأ المتن‬
‫أكثر تكثي ًفا في (أرعى الشياه على المياه) فما‬
                                                                           ‫اللغوي لما يبدو ن ًّصا(‪:)11‬‬
‫الذي يعنيه ذلك؟ إذا كان لا بد من السؤال‪ :‬من‬               ‫(حج ٌر يطفو على الماء الهوينى؛ أيها الزم ُن‬
‫أين نبدأ؛ فسأختار المتن اللغوي أو ًل‪ ،‬لأتعرف‬               ‫القاسي اتئد؛ قاد ٌم هو النسيا ُن والسلوى‬
                                                      ‫وأسرا ُب الخفافي ِش؛ سرا ٌب حتى مطل ِع الفج ِر‪،‬‬
‫على وجهة الشاعر في مقوله الشعري الأساس‪،‬‬             ‫خرا ٌب يتمشى وئي ًدا في الشوار ِع‪ ،‬يصعد المناب َر‪،‬‬
                                                      ‫بندقي ٌة مشرع ٌة وهراو ٌة مرفوع ٌة‪ ،‬ما الوق ُت؟‪)..‬‬
‫ثم أبحث عن العلائق التي تربط المتن بما خرج‬               ‫أعلى المتن في منتصف الصفحة يكتب بفنط‬
‫عنه أو دا َخ َله أو استدعاه من مقطعات مختلفة‬
                                                                ‫مختلف ُمس َّود بيت المتنبي الشهير‪:‬‬
‫الأوضاع ورسوم ورموز‪ ،‬في ضوء ذلك؛‬                                    ‫(أغاي ُة الدي ِن أن ُتحفو شوار َبكم‬
                                                                   ‫يا أم ًة ض ِحكت من جهلِها الأم ُم)‬
‫سأحدد عد ًدا من المفاهيم تخص المتن وغيره‪،‬‬
‫لنرى إن كانت هذه الكثافة الخارجية خادمة له‬           ‫على هيئة سطرين منحدرين من أعلى إلى أسفل‪،‬‬
                                                       ‫في مواجهتهما على اليسار تقف بومة م ّح ِّدقة‪،‬‬
            ‫أو عبئًا عليه‪.‬‬                             ‫بعد أربعة أسطر من المتن اللغوي يبدأ مقطع‬
                                                         ‫مسود بحجم أكبر قلي ًل‪ ،‬ثم استئناف المتن‬
‫وفق الشاهد السابق للمتن اللغوي‪ ،‬يؤسس‬                  ‫مرة أخرى‪ ،‬على يمين منتصف الصفحة يكتب‬
                                                       ‫بخط كالذي ُكتب في الأعلى (أيها القطي ُع الذي‬
‫الشاعر لمفهوم طغيان الاستبداد الذي أخذ‬
                                                    ‫يق ُض ُمني في الظلام‪ /‬لك السلام)‪ ،‬في مواجهتها‬
‫أشكاله (الخفافيش‪ /‬سراب‪ /‬خراب يعم‪/‬‬                       ‫وضمن حيز المتن اللغوي على اليسار رسمة‬

‫بندقية‪ /‬هراوة)‪ ،‬بما يعني حالة من الجنون‬              ‫لشمس مشرقة‪ ،‬أسفل الشمس وتحت ما يبدو‬

‫والحماقة تسود المشهد‪ ،‬فإذا ما نظرنا إلى بيت‬

‫المتنبي نجده داع ًما للسياق المفهومي نفسه‬
‫كونه ينفي علاج الحماقة‪ ،‬أما صورة البومة‬

‫المح ِّدقة فهي دفاع الشاعر عن مواجهة كل‬
‫أشكال العنف والطيش‪ ،‬لكونها رم ًزا حضار ًّيا‬
‫عالميًّا يشير إلى الحكمة في خلاصة مغزاه‪ ،‬وفى‬
‫مرموزه الفرعوني يشبه حرف الكاف الذي‬

‫قدسه المصريون‪ ،‬لوروده ضمن اسم أهم‬

‫آلهتهم (آمون)‪ ،‬ولكونها كانت الطائر المفضل‬

‫لدى الملك رمسيس الثاني‪ ،‬أما المقطع الذي‬
   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76   77