Page 70 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 70

‫العـدد ‪26‬‬         ‫‪68‬‬

                                                ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

 ‫الأقصى في اتجاه (القصد)(‪ )9‬الذي يهدف إليه‬                   ‫(‪)3‬‬
                            ‫الشاعر في النهاية‪.‬‬
                                                      ‫صدر ديوانا (إنها تومئ لي) و(هكذا قلت‬
                ‫(‪)4‬‬                                 ‫للهاوية) في عام واحد ‪ ،1993‬ولكن اللافت‬
                                                    ‫في الديوان الأول أنه جاء‪ ،‬من حيث الشكل‪،‬‬
 ‫عندما تقرأ ديوان (هكذا قلت للهاوية‪)1993 -‬‬           ‫على النمط التقليدي‪ ،‬فالعناوين على رؤوس‬
  ‫يتأكد لديك أن النفس الشعري لرفعت سلام‪،‬‬         ‫القصائد (القصيرة ج ًّدا) تغطي كامل الديوان‪،‬‬

    ‫وهو يصوغ تجربته في النص‪ /‬الديوان؛ لا‬               ‫الأمر الوحيد اللافت الذي يمكن أن نعده‬
   ‫حد لفيضانه‪ ،‬وأن كل (تصرفاته) على فراغ‬         ‫تجريبًا‪ ،‬إلى جانب شفرية الجملة الشعرية؛ هو‬
  ‫الورق ما هي إلا محاولات مضمرة لترويض‬            ‫أن تلك النصوص يمكن عدها مشاهد شعرية‬
  ‫فيضان ذلك النفس‪ ،‬الأمر الثاني الذي تلحظه‬
    ‫هو ألا علاقة بين هذا الديوان وديوان (انها‬         ‫بمحض مفهوم مصطلح المشهد(‪ ،)7‬فلدينا‬
    ‫تومئ لي) على الرغم من تزامن صدورهما‪،‬‬         ‫الحدث‪ ،‬وفاعله‪ ،‬والواقع عليه (القابل)‪ ،‬وبيئته‪،‬‬
‫باستثناء صرامة بناء الجملة الشعرية‪ ،‬عدا ذلك‬
‫فنحن أمام حالة مفرطة من التجريب الشعري‪،‬‬              ‫والتفاصيل (الأشياء)‪ ،‬وعلته‪ ،‬وأثره‪ ،‬ولكن‬
                                                  ‫الجديد الذي أضافه رفعت سلام إلى مشاهده‬
            ‫سأتوقف سري ًعا أمام الأبرز منها‪.‬‬    ‫في (إنها تومئ لي) هو تلك الغرائبية التي تجري‬
     ‫يسقط الشاعر عناوين القصائد لأول مرة‪،‬‬         ‫فيها أحداث كل مشهد‪ /‬قصيدة‪ ،‬ولننظر نص‬

                                                                                    ‫(أخيرة)(‪:)8‬‬
                                                                                  ‫نظر ٌة أخيرة‪:‬‬
                                                                         ‫شم ٌس تحتسي شا ًيا‪،‬‬
                                                                         ‫ريا ٌح تنا ُم في ِفراشي‪،‬‬
                                                                         ‫وغيم ٌة تحت ال ِوسادة‪،‬‬
                                                                             ‫نا ٌر تصعد ال ِجدار‪،‬‬
                                                                       ‫أشيا ٌء صغير ٌة ُتوم ُئ لي‪،‬‬
                                                                        ‫و ُعلب ُة السجائ ِر خاوية‪.‬‬

                                                                                      ‫فأمضي‪.‬‬
                                                 ‫يرسم رفعت سلام مشهده السابق بعد انتهاء‬

                                                        ‫أحداثه الفعلية‪ ،‬مراهنا على استعادة تلك‬
                                                 ‫الأحداث الغائبة لتتضام مع الأحداث الإشارية‬

                                                   ‫المثبتة في النص‪ ،‬والتي تمثل النظرة الأخيرة‬
                                                ‫قبل المغادرة‪( :‬شمس تحتسي‪ ،‬رياح تنام‪ ،‬غيمة‬

                                                  ‫تحت الوسادة‪ ،‬نار تصعد الجدار‪ ،‬خواء علبة‬
                                                ‫السجائر)‪ ،‬هذه التفاصيل الإشارية الجانحة إلى‬
                                                ‫الغرائبي الإدهاشي‪ ،‬إذا نظر إليها بوصفها بين‬

                                                  ‫قوسي (النظرة الأخيرة‪ -‬أمضي) فإنها تبدو‬
                                                   ‫لنا آثا ًرا لأحداث أخرى أشد اعتمالية وغرابة‬
                                                ‫جرت من قبل‪ ،‬وعلى كل منا أن يتخيلها وفق ما‬
                                                  ‫شاء‪ ،‬عا ًّدا تلك التفاصيل مآلات لتلك الأحداث‬

                                                     ‫التي انتهت بالفعل‪ ،‬وبناء المشهد بالصورة‬
                                                   ‫السابقة اعتما ًدا على المتلقي يبلغ بالنص حده‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75