Page 71 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 71

‫‪69‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫إمعا ًنا في تسليط الضوء على التفاصيل الشائهة‬             ‫وإن أبقى على مواضعها بخط أفقي يدل على‬
‫ومضاعفتها لأهداف تأثيرية‪ ،‬ويفاجئك الشاعر‬             ‫غيابها‪ ،‬ولأول مرة أي ًضا يغيِّب علامات الترقيم‬
 ‫في مقطع لاحق بتغييب تلك الفراغات وحضور‬              ‫وأدوات الربط ويشير إليها بفراغات أفقية داخل‬
                                                     ‫المستطيل الذي اتخذ وضعية عمودية على غالب‬
   ‫أدوات الربط‪ ،‬وكأنه يمارس لعبة التوازن في‬
                                 ‫بحر عاصف‪.‬‬                ‫الصفحة‪ ،‬مع التركيز على الغرائبي في بنية‬
                                                     ‫الجملة بضفر المسند والمسند إليه في جمل تامة‪،‬‬
 ‫وفيما يشبه العنوان يضع الشاعر في منتصف‬               ‫ولكنك تتردد كثي ًرا في الموافقة على كونها جمل‬
  ‫الصفحة جملة بالحجم الكبير على هيئة شعار‬
                                                       ‫مفيدة بالمعنى المألوف‪ ،‬من مثل (صم ٌت يهوي‬
      ‫في مظاهرة حامية‪ ،‬تلك التي أعتبرها بؤر‬               ‫على حج ٍر‪ /‬خنج ٌر معلّ ٌق في سماء الذاكرة‪/‬‬
   ‫النص المضيئة التي تمثل غايات الشاعر منه‪،‬‬
‫والشواهد كثيرة‪ ،‬ومبثوثة في معظم الديوان(‪.)10‬‬         ‫صب ٌّي يهرب خو ًفا من الخميس‪ ..‬وهكذا)‪ ،‬وبين‬
                                                        ‫جملة وأخرى تنتشر الفراغات الأفقية‪ ،‬وهنا‬
    ‫(‪)5‬‬                                                ‫تكرار لنسق كتابي سابق في (وردة الفوضى‬

‫في كل من ديواني (إلى النهار الماضي‪/1998 -‬‬             ‫الجميلة)‪ ،‬بزيادة الفراغات الأفقية‪ ،‬ويمكنك أن‬
  ‫كأنها نهاية الأرض‪ )2000 -‬لا يقدم الشاعر‬            ‫تترجم هذه الفراغات على طريقتك‪ ،‬كأن تعتبرها‬
  ‫أشكا ًل جديدة للتجريب أكثر مما تقدم‪ ،‬ولكنه‬
‫يثبت عناوين النصوص في الأول‪ ،‬ويسقطها من‬                ‫نو ًعا آخر من التمزيق الذي مارسه هناك وإن‬
‫الثاني‪ ،‬على غرار ما فعل في دواوين سابقة‪ ،‬وفي‬               ‫بإيقاع آخر أقرب إلى تبطيئ الكاميرا هنا‪،‬‬
  ‫الديوانين م ًعا يدخل عنص ًرا تجريبيًّا جدي ًدا لم‬
‫يظهر من قبل‪ ،‬وهو تخلل المستطيلات العمودية‬

       ‫بعض الفقرات التي حرص على أن تكون‬
     ‫موزونة بقوا ٍف متواترة‪ ،‬على غرار قصيدة‬
   ‫التفعيلة‪ ،‬تلك الفقرات المخالفة للنسق الكتابي‬
   ‫والخطاب الشعري؛ هي إحدى مظاهر التقاط‬
  ‫النفس بين النسق الشعري اللاهث المتواصل‪،‬‬
 ‫وهي ظاهرة تكررت ساب ًقا وإن بصور أخرى‪،‬‬
  ‫من مثل الفراغات الأفقية والرأسية‪ ،‬أو الجمل‬
 ‫ذات الفونط الكبير المسودة خلال امتداد النفس‬
  ‫الشعري في النص‪ ،‬ويمكن تأويل تلك الصور‬
      ‫التهديئية في نصوص الشاعر إلى وجهات‬
  ‫أخرى تكون من صميم القراءة الفنية للخطاب‬
‫الشعري‪ ،‬وما حواه من وسائل وتقنيات عديدة‪،‬‬

                ‫وهو ما لا يسمح به المجال هنا‪.‬‬
      ‫الطفرة التجريبية في تجربة رفعت سلام؛‬
     ‫تجسدت في ديوانه (حجر يطفو على الماء‪-‬‬
     ‫‪ ،)2008‬واكتملت في ديوانه الأخير (أرعى‬
    ‫الشياه على المياه‪ ،)2018 -‬إذا عبرنا ديوان‬
   ‫(هكذا تكلم الكركدن‪ )2012 -‬على أهميته في‬
‫سياق ما نحن فيه‪ ،‬وما زلت هنا أرصد الجانب‬
   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76