Page 76 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 76

‫العـدد ‪26‬‬    ‫‪74‬‬

                                                                ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

                     ‫الخيط الأول للموضوع(‪.)4‬‬                        ‫المتلقي‪ ،‬وكونه علامة دالة‪ ،‬فإليه تجتمع ال َّدوال‬
‫فالعنوان ممارسة إبداعية لا يبوح بما يقوله النص‪،‬‬                     ‫الأخرى على اختلافها لتؤسس ‪-‬اعتما ًدا عليه‪-‬‬
                                                                 ‫أنسا ًقا دلالية منسجمة‪ ،‬وهو صلة الاتصال الأولى‬
   ‫بل يشاكس المتلقي من أجل فك شفرته‪ ،‬عبر فيه‬                         ‫مع المتلقي‪ ،‬أو العتبة التي يطل منها على العمل‬
   ‫الشاعر عن خصوصيته؛ إذ جاء العنوان مغاي ًرا‬                   ‫الإبداعي‪ ،‬أو من خلال وظيفة الإغراء التي يمارسها‬
‫للمعتاد والسائد‪ ،‬يجمع بين ما لا ُيجمع‪ ،‬يحاول أن‬                       ‫العنوان (أرعى الشياه على المياه)‪ ،‬فهو مدخل‬
                                                                 ‫لإبراز المعاناة وبيان الانهزامات؛ فلا وقت للولادة‬
              ‫يمنح الأشياء هوية وطاب ًعا جديدين‪.‬‬                  ‫ولا للموت ولا وقت للغرس ولا الحصاد‪ ،‬لا وقت‬
                                                                    ‫للهدم ولا البناء‪ ،‬لا وقت للضحك ولا البكاء‪ ،‬لا‬
            ‫تعدد الأصوات‬                                             ‫وقت للكسب ولا للخسارة‪ ،‬لا وقت للكلام ولا‬
                                                                      ‫للسكوت‪ ،‬لا وقت للحب ولا للحرب والإعلان‬
   ‫َف َت َح ِت السردية الباب أمام البوليفونية الشعرية‬             ‫التي تنهض بها‪ ،‬ويظهر في تأويل العمل والإيحاء‬
        ‫أكثر من الشعر المونولوجي‪ ،‬وقد استخدم‬                       ‫بدلالته؛ ومن ثم يصبح العنوان دا ًّل يقوم بدور‬
                                                                 ‫الإضاءة‪ ،‬وفتح آفاق التخييل لدى المتلقي‪ ،‬بإعطائه‬
 ‫(باختين) مصطلح البوليفونية من الموسيقى ومن‬
  ‫ث ّم استخدمه في الأدب‪ ،‬كون الموسيقى تعتمد على‬

   ‫تعدد الأصوات وتناغمها فيما بينها وانسجامها‬
      ‫في عمل متكامل مه ّذب‪ ،‬فكل آلة موسيقية لها‬
    ‫صوتها المعين‪ ،‬فهي تتفاعل مع غيرها من أجل‬

  ‫عمل موسيقي‪ ،‬وهي تقتضي أن يحيل كل صوت‬
     ‫على الصوت الآخر‪ ،‬وأن يحصل الاحتكاك بين‬
    ‫الأصوات‪ ،‬وأن يفرز الاحتكاك ر ًؤى متعارضة‬

   ‫غير متطابقة‪ ،‬وقد قام (باختين) «بالاعتماد عليه‬
     ‫في الرواية كونها تعتمد على السرد»(‪ ،)5‬وهذا‬

 ‫يعني حضور أكثر من رؤية وإرادة وتبرير بتمثل‬
  ‫شخوصي وكياني في النص؛ تتطور على المستوى‬
   ‫الأفقي‪ ،‬وتكون ذات وجود وظهور متش ٍظ وغير‬

    ‫متماسك ولا منطقي بخلاف منطقية وتأريخية‬
   ‫وتماسك ظهور الشخصية القصصية التقليدية‪،‬‬
  ‫و» ُت َع ّد تقني ُة تع ّد ِد الأصوا ِت من التقنيات الجديد ِة‬

      ‫التي استخدمها الشاعر المعاصر بغي َة تحقي ِق‬
   ‫غاية جمالية‪ ،‬وفي الوق ِت نفسه دلالية‪ ،‬تعمل على‬
   ‫إكساب القصيدة تجربة فنية ونفسية وشعورية‬
    ‫يهدف الشاعر إبلاغ رسالته أو موضوعه الذي‬

                                   ‫يعالجه»(‪.)6‬‬
‫ينطلق النص من أهمية البِ َنى الخطية (علامات غير‬
‫لغوية)‪ ،‬فالشاعر يكتب ن ّصه بنفسه وبرؤيته‪ ،‬ولعل‬

   ‫هذا يكمن في إدهاش القارئ وكسر أفقه المعتاد‪،‬‬
   ‫وتوقعه المعتاد‪ ،‬ولم يعد النص الشعري مقتص ًرا‬

    ‫على صوت واحد‪ ،‬أو كما قال باختين‪« :‬لا يقبل‬
   ‫تعدد الأصوات والرؤى»‪ ،‬وانتشرت البوليفونية‬
  ‫في النص الشعري متأث ًرا بالموسيقى؛ حيث تتعدد‬
   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81