Page 80 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 80
العـدد 26 78
فبراير ٢٠٢1
النصي مع الخارج النصي؛ وفهم النص لا يتأتى والفراغات المتروكة بين الكلمات عناصر مهمة..
إلا إذا اجتمعت كل هذه العناصر والآليات التي كانت ترمي إلى إتاحة مخرج من المستوى اللفظي
تعتمد على السائد أو المحتمل ،وعلى الخبرات
الجمالية السابقة المتجلية في النص الحاضر، للقصيدة ،والتوجه مباشرة إلى العين ،لكنها في
والمتضمنة في ذاكرة القارئ(.)18 قيامها بهذا اكتسبت نو ًعا آخر من الرمزية»(.)17
يعد الفضاء النصي بشكل عام فضاء تشغله الكتابة إن الشعر حين يكتسب تشكيله البصري يدخل
على مساحة الورق؛ ويشمل ذلك تصميم الغلاف، تحت مظلة الفنون البصرية ،وها هو النص ينتقل
وتنظيم النصوص وتغييرات الكتابة المطبعية إلى خانة المقروء ،فالرسم والتشكيل وسائر عناصر
وتشكيل العناوين ،هذا الفضاء البصري مكاني، التشكيل البصري التي تأتي من خارج اللغة هي
فضاءات تتيح للشاعر إمكانات مختلفة من أرض
فقد أصبحت «القصيدة منج ًزا تشيكليًّا ُيقرأ بصر ًّيا مغايرة ،واللجوء للتشكيل البصري كان دافعه أنه
بعد أن أصبح سن ًدا قو ًّيا لما يتأسس عليه النص من غير ثابت أو ُم َق ْو َل ُب في إطار محدد ،فكان السعي
جمالية المعنى واللون والشكل ،ولا يعني هذا الكلام وراء إنتاج دلالة مغايرة ،من خلال استثمار الشكل
الكتابي ،وتحرير النص الشعري من النمط الثابت
أن التشكيل بديل للشعر ،ولكنه إثراء للقصيدة
وإغناء لانزياحاتها المتعددة»(.)19 السائد.
هناك تحول في تلقي الشعر الحداثي ،هو اشتراك
النص يرتقي إلى التمرد على الأشياء والقوانين
المألوفة ودلالات الأفكار؛ رغبة منه في صياغة حلمه البصر مع السمع مع العقل ،وتداخل الداخل
الأزلي من خلال تشابك الحواس مع رؤى الشاعر
والتموجات النفسية؛ للوصول إلى قصيدة الإشراق.
وينزع الشاعر إلى الإبداع ،ليس فقط بالابتعاد عن
القصيدة المعتادة ،والميل إلى التشكيل الن ّص ّي ،وإنما
على مستوى الرؤية ،والأفق الشعري ،والسعي
الدائم إلى المغايرة ،والاختلاف؛ فهو يملك رؤيا إلى
باطن الأشياء ،إ ْذ يستطيع أن يخلق من البساطة
السرد َّية رؤية عميقة ،ينفذ منها إلى المراد ،تجعلك
في حالة تيقظ ومشاركة للنص ،فجمالية القصيدة
من أفقها المغاير ،وانحرافها عن النمط المعياري،
والنص هنا له احتمالا ٌت متعددة يقوم بها.
التشكيل البصري :هو كل ما يمنحه النص للرؤية
سواء أكانت الرؤية على مستوى البصر (العين
المجردة) أم على مستوى البصيرة (التخيل).
والتشكيل البصري بهذا المفهوم يختلف عن مفهوم
الشكل ،فالشكل المسبق لا يقدم دلالة ذات مغزى
على المضمون؛ فهو يمارس تسل ًطا على المضمون
الذي يريد أن يتشكل؛ فكان التشكيل البصري
النابع من المضامين والعائد إليها هو البديل والملاذ،
فالشكل سابق على النص ومفروض عليه ،أما
التشكيل البصري فطارئ ومبتكر« .وقد كانت
أحكام الشكلانيين على الشعر تعتمد على شيئين
هما :الجدة والمفاجأة .ويقول فيكتور شكلوفسكي