Page 67 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 67

‫‪65‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫علامات الترقيم وأحرف الجر والنقاط الأفقية‬                                                         ‫أول‪ ،‬أما الثاني‪ :‬فهو متصل برأس الشاعر‬
     ‫على السطر‪ ،‬هذا الانضباط في وضع الكلمة‬                                                      ‫وثقافته ومراجعاته لنفسه‪ ،‬وفنه ومدى علاقته‬

‫والتركيب في بداية الرحلة؛ لا بد له من أن يقطع‬                                                     ‫بواقعه المعيش‪ ،‬تلك كانت أسئلة أولى ولكنها‬
      ‫الطريق على اتهامات محتملة قادمة لصور‬                                                            ‫جوهرية في روح رفعت سلام‪ ،‬وتناسلت‬

 ‫التجريب الأخرى التي سنرصدها‪ ،‬وخلاصتها‬                                                              ‫الأسئلة‪ :‬ما الشعر؟ والسؤال هنا عن الكنه‬
 ‫أن هذا الشعر عرف طريقه بمقدار ما أوغل في‬                                                          ‫والمفهوم‪ ،‬ثم كيف يكون هناك مفهوم واحد‬

            ‫غموضه‪ ،‬على نحو ما يرى البعض‪.‬‬                                                             ‫للشعر ثابتًا لا يتغير‪ ،‬على الرغم من تغير‬
     ‫الصورة الثانية هي أننا أمام معجم شعري‬                                                         ‫الأزمان والوقائع؟ ولم تأت تلك الأسئلة من‬
 ‫جديد إلى حد لافت‪ ،‬يرد منفر ًدا ضمن علامات‬
     ‫ترقيم تغلب عليها الفاصلة‪ ،‬مع اختفاء تام‬                                                         ‫فراغ‪ ،‬لكنها انعكاس لوعي الشاعر وسعة‬
 ‫لأدوات الربط المعتادة‪ ،‬ولأكت ِف بالنموذج الآتي‬                                                  ‫إحاطته بتحول الحضارات وتنوعها من حوله‬

       ‫الذي يلي المقطع السابق من النص نفسه‪:‬‬                                                         ‫في سيرورة الزمان‪ ،‬من هنا كانت الخطوة‬
      ‫القطارا ُت‪ ،‬الرحي ُل‪ ،‬اللوع ُة‪ ،‬الأبنا ُء للحر ِب‪،‬‬                                          ‫الأولى‪ ،‬ومن هنا أردنا أن نتعرف على مظاهر‬
     ‫منادي ُل الأمها ِت‪ ،‬ال ِّص ْب َي ُة‪ ،‬الفتيا ُت‪ ،‬السوا ُد‪،‬‬                                   ‫المفارقة الفنية (التجريب) وارتقاءاتها في شعر‬
‫االلقرط ِةصيال ُفحاالممقِلف‪ُ ،‬رناظلرخ ُةالايل‪،‬د نهششي ِة ٌج‪،‬منبائع ُيع ِانلالكمودليان‪،‬ة‪.‬موا ُء‬    ‫رفعت سلام‪ ،‬ذلك الذي غافل الجميع وانسل‬
 ‫على هذا النحو الهائل من الجمل المبتورة عم ًدا‪،‬‬
  ‫يرصد رفعت سلام جانبًا من تفاصيل المشهد‬                                                             ‫من بينهم‪ ،‬وخرج بعي ًدا إلى مطلق البكارة‪،‬‬
   ‫بعد الرحيل الأبدي للأبناء والفتيات في اتجاه‬                                                  ‫خرو َج جده الصعلوك الأول قبل أكثر من ألف‬
     ‫الموت‪ ،‬هكذا كان المشهد متناث ًرا كأشلاء لا‬
 ‫يربطها جسد‪ ،‬أو قل هكذا بنى رؤيته الشعرية‬                                                                             ‫وخمسمئة عام قد خلت‪.‬‬
 ‫الأكثر وج ًعا (عبر نزع أدوات الربط ومن قبلها‬
 ‫متممات الجمل) في مشهد أجاد تمزيقه وقصد‬                                                                         ‫(‪)1‬‬

                        ‫إلى هذا التمزيق قص ًدا‪.‬‬                                                       ‫أصدر رفعت سلام ديوانه الأول (وردة‬
   ‫يمضي رفعت سلام في نزوعه التجريبي إلى‬                                                          ‫الفوضى الجميلة) عام‪ ،1987‬من حيث الشكل‬
‫صورة أخرى‪ ،‬فيظهر أكثر من صوت في النص‬
‫الواحد على نحو متوا ٍز يمين الصفحة ويسارها‪،‬‬                                                         ‫العام للنصوص على فراغ الورق فقد بدت‬
  ‫وهي الظاهرة التي ستنمو لتأخذ في الدواوين‬                                                        ‫مألوفة للوهلة الأولى‪ ،‬فالعناوين على رؤوس‬
  ‫اللاحقة أطوا ًرا أخرى‪ ،‬واستضافة صوتين أو‬
   ‫أكثر في النص الواحد لم تكن ابتكا ًرا خال ًصا‬                                                     ‫القصائد‪ ،‬ونثر الأسطر الشعرية مع بعض‬
  ‫برفعت سلام‪ ،‬إذا استحضرنا سعدي يوسف‬                                                            ‫تفاوت في المساحات الفارغة بين الفقرات‪ ،‬لكن‬
    ‫وأمل دنقل وغيرهما‪ ،‬لكن تجاور الأصوات‬
  ‫في النصوص اللاحقة سيشهد تفر ًدا ينفرد به‬                                                          ‫نظرة أخرى إلى تلك النصوص كشفت عن‬
 ‫سلام وحده‪ ،‬ففي نص (تنحدر صخور الوقت‬                                                              ‫الكثير مما لم يكن مألو ًفا في ذلك الوقت‪ ،‬من‬
‫إلى الهاوية)(‪ ،)4‬يستضيف ثلاثة أصوات‪ ،‬صوته‬                                                        ‫حيث العناية الشديدة بالمفردات‪ ،‬منفردة‪ ،‬وفي‬
    ‫وصوت حبيبته في يمين الصفحة‪ ،‬مع تمييز‬                                                        ‫لحمة الجملة الشعرية‪ ،‬ولننظر إلى المقطع الآتي‬
  ‫صوتها بفنط مائل مختلف‪ ،‬وصوت ثالث على‬
                                                                                                               ‫في مفتتح نص «منية شبين»(‪:)3‬‬
      ‫يسار الصفحة‪ ،‬يتمم الثنائية الضدية التي‬                                                                  ‫ترح ُل القطارا ُت للشر ِق بالأبناء‪،‬‬
 ‫ينمو النص على مفارقاتها‪ ،‬ويتكرر الأمر نفسه‬
                                                                                                                               ‫لكن‪ ..‬لا تعود‪.‬‬
                                                                                                            ‫ترح ُل الفتيا ُت نحو الشر ِق للأبناء‪،‬‬

                                                                                                                               ‫لكن‪ ..‬لا تعود‪..‬‬
                                                                                                    ‫يمثل المقطع نقطة ارتكاز ستتكرر لأهداف‬
                                                                                                  ‫تتعلق بتنشيط ذاكرة المتلقي واتساق النص‪،‬‬
                                                                                                  ‫وفي كل مرة يرد فيها متكر ًرا وقائ ًما على هذا‬
                                                                                                ‫التوازي‪ ،‬يأتي على النحو نفسه‪ ،‬من حيث ثبات‬
   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72