Page 63 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 63
61 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
تشهد اختلا ًطا في الضمائر يصعب تمييز المتحدث الحزمة الأولى تستدعي ن ًّصا قرآنيًّا من سورة
فيها ،خاتمة ملبسة وملتبسة تقدم معاد ًل فنيًّا الكهف« :لن تستطيع معي صبرا» ،يناقش قضية
لالتباس حضاري تعاني منه الشخصية المصرية، الغيب التي لا يفهمها الإنسان ومن ثم يتعجل
خاتمة تحضر فيها ماعت وإيزيس ويحضر ست الفهم ،وهو نص يحتل من الحزمة مكان الإجابة
عن سؤال إشكالي يسبقه :متى يؤون الأوان لمن
آلهة ملتبسة جمي ًعا بالشعب والطاغية ملتبسة لا أوان له ،ومن ثم فلا إجابة .والحزمة الثانية:
بالفلاح والنبيل ،في حالة تق ُّنع تتداخل فيها الهويات سؤال وجوابان عن هذا السؤال ،وهي تقدم في
وتتبدل إلى ما لا نهاية: مجموعها حالة من الانتظار الذي يثقل القلب
قناعي وجهي لحضور منشود ربما يبدد الوحدة ويستبدل الفرح
بالحزن ،وهو انتظار لا يسلم من الإيروتية في قوله
ووجهي قناعي (الديوان)130 :
خاتمة بؤرية تجمل القول وتبرر أن يظل الفعل في النص الأخير من هذه الحزمة« :بين أصابعي
ملتب ًسا على الشاعر الذي يقدم نفسه وقد بلغ به سمكة حمراء ،والثوب الشفاف ملتصق بجسدي»،
الشك غايته على أنه العراف الأعمى: والحزمة الثالثة عبارة عن ثلاث إشارات شعرية
أين الموسيقات العسكرية؟ لا بأس أيها اليأس، مقتبسة من عصور مختلفة :جاهلي وعباسي
لا سوى الذاكرة المشروخة ،أغنية بلا صوت أو ومعاصر ،الأول :لعمرو بن كلثوم ،والثاني:
صدى، للمتنبي ،والثالث :لأمل دنقل ،الأول :عن قانون
أين الطبول والأبواق تخفر الدم والحريق؟ التعامل مع الاعتداء برد الصاع صاعين ،والثاني:
نفد الوقت منا؛ وذوت ورود القلب ،فاتئد ،أيها توصيف للأزمة المصرية« :ضحك كالبكا» ،والثالث:
يعري ولاة الأمر الذين يتخذون من الأناشيد حيلة
المتشح بالغرابة، تعويضية عن الحرب ومهر ًبا عن مواجهة المشاكل
فما الذي تنتظر؟ هل كسرة قمر؟ هل قطرة مطر؟ وتقديم الحلول (نامت نواطير مصر عن دساكرها/
وحاربت بد ًل منها الأناشيد) ،والإشارات الثلاث
حلم أم وهم؟ كما يتضح لا يذكر رفعت سلام أشطرها الأولى،
أنا العراف الأعمى،
ويكتفي بأشطرها الثانية ،عم ًل بمبدأ التشذير
رأيت ما رأيت؛ الأيقوني الذي يقوم بدورين معا :دور تحريضي،
فهل خانني الوقت أم البصيرة؟ ودور تقريعي يجمعهما سؤال افتراضي :أليس هذا
تراثنا الذي نحمل؟ لم لا يكون داف ًعا على الخلاص؟
تلك أغنيتي الأخيرة،
طلقتي الباقية في جعبتي النافدة؛ أو جملة طلبية :هاكم مانشتات الثورة والغضب
فبأيها شئتم فخذوا ..والحزمة الأخيرة يستعين
أيتها الأرض الكاسدة» فيها الشاعر بموروث شعبي تقوله الأم المصرية
هذه ثلاث وسائل خارجية للأداء الإنجازي في لطفلها حين تعلم عنه ما يريد إخفاءه« :العصفورة
الديوان تتواشج معها ثلاث وسائل أخرى داخلية: قالت لي»؛ ليشكل زوا ًجا غريبًا بين ما هو شعبي
الإحالة إلى الذات ،والميتا -نصية ،وإعادة التسييق؛ وما هو ديني :ما الذي قاله العصفور؟ قال :صوت
إذ إن رفعت سلام يقدم ن ًّصا يحيل ضمن إحالاته أخيك صارخ إلي من الأرض .فكأن رفعت سلام
المتعددة لا إلى معرفة خارجية فحسب ،وإنما إلى أراد أن يقول بكل اللغات :إن ما حدث كان جريمة.
معلومات تخص عالمه الشعري عبر دواوينه كلها، هذا ،وتتفرد خاتمة الديوان التي تحتل الصفحات
ولا شك أن هذا يعكس وحدة العالم الشعري السبع الأخيرة منه ،إذ تأتي مقط ًعا دراميًّا متسار ًعا
وارتباط المنجز في أجزائه المختلفة بعضه البعض،
فيكتب في المتن الشعري عل سبيل المثال« :أنا يكاد يلخص الديوان كله بأصواته المتعددة،
الجنرال الأحد أقول للشيء كن فيكون»؛ ليحيل إلى وإيقاعاته الصارخة ،وشخوصه المتداخلة؛ حيث
هامش يحيل بدوره إلى دواوين سابقة له كـ»هكذا
تكلم الكركدن» ،و»حجر يطفو على الماء»:
حلمت البلاد والعباد بي دهو ًرا،