Page 66 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 66

‫العـدد ‪26‬‬    ‫‪64‬‬

                                                  ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

‫د‪.‬محمد عليم(‪)1‬‬

‫حدائق النار والزعفران‬

‫«فتنة التجريب في شعر رفعت سلام»‬

‫عندما تقرأ ديوان (هكذا قلت للهاوية‪ )1993 -‬يتأكد لديك أن النفس‬
‫الشعري لرفعت سلام‪ ،‬وهو يصوغ تجربته في النص‪ /‬الديوان؛ لا‬
‫حد لفيضانه‪ ،‬وأن كل (تصرفاته) على فراغ الورق ما هي إلا محاولات‬
‫مضمرة لترويض فيضان ذلك النفس‪ ،‬الأمر الثاني الذي تلحظه هو ألا‬
‫علاقة بين هذا الديوان وديوان (انها تومئ لي) على الرغم من تزامن‬
‫صدورهما‪ ،‬باستثناء صرامة بناء الجملة الشعرية‪ ،‬عدا ذلك فنحن أمام‬
‫حالة مفرطة من التجريب الشعري‪ ،‬سأتوقف سري ًعا أمام الأبرز منها‪.‬‬

                                  ‫عفيفي مطر‪.‬‬      ‫من أين يأتي الغموض في الشعر؟ من استغلاق‬
‫ربما لم نتساءل بما يكفي عن سر القطيعة التي‬
                                                  ‫المعنى الذي دأبنا على أنه كل شيء في النص‪ ،‬أم‬
  ‫كادت تكون تامة بين ما أتي به رفعت سلام‬          ‫انقطاع الروابط المؤدية إليه وهو يتخذ سبيله إلى‬
‫وأسلافه‪ ،‬هل هو محض النزق الشخصي الذي‬               ‫الروح عجبًا؟ ربما كان الأمر كذلك‪ ،‬وربما لهذا‬
‫أراد محض المخالفة بحكم صراع الأجيال؟ هل‬           ‫نحن كما كنا‪ ،‬نسير إلى الأمام بعيون خلفية‪ ،‬ولا‬
 ‫كان شيئًا آخر أعمق بكثير من أحكام الظاهر؟‬        ‫عجب في أننا مازلنا نتعثر مع كل خطوة‪ ،‬إلا من‬
 ‫فما هو ذلك السر إذن وراء تلك المفارقة الفنية‬
                                                     ‫ُر ِحم منا‪ ،‬و ُو ِهب معارج الرؤية والروح م ًعا‪.‬‬
      ‫الجارحة بينه وبين من سبقوه؟ لقد أراد‬              ‫أي حديث عن تجربة الشعراء السبعينيين‬
   ‫سلام أن يكون نفسه‪ ،‬يكتب وقائعه اليوميَّة‬
 ‫وما وراءها‪ ،‬وفق تأملات مصطفى ناصف في‬                ‫ورفعت سلام خصو ًصا‪ ،‬لا يأخذ في اعتباره‬
   ‫رائعته (اللغة والتفسير والتواصل)‪ ،‬فاختار‬        ‫ما كان عليه الراهن الشعري حينها؛ هو حديث‬
    ‫نسقه المتقاطع مع أسلافه كما لو كان قد ًرا‬
‫محتو ًما‪ ،‬ولعل ذلك ما يفسر الصرامة الشديدة‬              ‫خارج الموضوع سل ًفا‪ ،‬إننا هنا نتحدث عن‬
  ‫التي فرضها على نفسه‪ ،‬وهو يختار مفرداته‪،‬‬              ‫النسق المهيمن الذي استبد بالنص الشعري‬
   ‫ويصوغ عبارته الشعرية في نصه الم َهن َدس‪،‬‬          ‫العربي‪ ،‬منذ الجاهلية وحتى صيحة منتصف‬
                                                      ‫القرن العشرين المنطلقة من العراق مع نازك‬
      ‫والصرامة نفسها فرضها على نفسه وهو‬               ‫والسياب‪ ،‬وتلتها موجات متلاحقة في مصر‬
             ‫يتحدث إلى جمهور أو على المقهى‪.‬‬        ‫وبقية العالم العربي‪ ،‬فكان العملاق صلاح عبد‬
                                                      ‫الصبور وأحمد حجازي وأدونيس والبياتي‬
     ‫التجريب في الشعر يعني في أبسط دلالاته‬              ‫وسعدي يوسف وآخرون(‪ ،)2‬ومعهم ومن‬
‫عزو ًفا عن نمط سائد لم يعد مناسبًا بما يكفي‪،‬‬           ‫بعدهم محمد عفيفي مطر‪ ،‬أقول‪ :‬حتى هذه‬
 ‫وآخر يغري بمزيد من التجديد والإثارة‪ ،‬يبدو‬            ‫الصيحة لم تكن قد تحررت تما ًما من قبضة‬
                                                   ‫ذلك النسق الشعري التليد‪ ،‬وأستثني هنا محمد‬
   ‫أنهما َب َه َتا كثيرا في راهن الشاعر‪ ،‬ذلك سبب‬
   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71