Page 62 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 62
العـدد 26 60
فبراير ٢٠٢1
ومن الهامش ،ولكل نهاية ،وهو ككيان عضوي والبري كولاج) ،وهي تقنية تشكيلية مميزة لأداءاته
يشهد نهايات يسبق بعضها بع ًضا ،وتتخذ النهايات السابقة في «هكذا تكلم الكركدن» ،و»حجر يطفو على
أشكا ًل متنوعة ،كأن تأتي النهاية قطعة غنائية الماء» و»إشراقات رفعت سلام» ،من حيث تقسيم
ملتبسة بالكتاب المقدس ،أو مرصعات داخل أطر الصفحة؛ فالديوان بقصائده في شكله القديم يختفي
هندسية موزعة على فضاء الصفحة الأخيرة تقوم
بدور تلخيص الرسالة وتأكيد الرؤية ،وقد تأتي هنا لتحل محل القصائد أجزا ٌء متتابعة لا تحمل
مقط ًعا دراميًّا مفتو ًحا ،أو بيا ًنا حاس ًما كالذي ختم عناوين داخلية ،يقرأ ك ُّل جز ًء منفص ًل ومتص ًل في
الآن ذاته ،إذ تطالع العين على بياض الصفحة متنًا
الشاعر به الجزء الأول من الديوان: شعر ًّيا رئي ًسا يحتل مركز الصفحة ،وحاشية على
دم في الشوارع؛
دم في الزنازين؛ اليمين ،وهوامش في الأسفل ،مع تنويع في البنط
دم في الميادين؛ الكتابي ،بينما تتناثر رسومات ورموز لكائنات
دم في العراء؛ وشخوص وأشياء من عمل الشاعر نفسه لتحتل
الفراغات البيضاء المتبقية في الصفحة ،إضافة إلى
دم يغطي وجه السماء( .الديوان)21 : بعض الأشكال الهندسية التي تؤطر اقتباسات
أما عن المرصعات التي تأتي داخل أطر هندسية ومقولات أخرى تلوح من وقت لآخر على نحو غير
مربعة ومستطيلة فيمكن إعادة ترتيبها وتصنيفها منتظم ،وقد تتوقف العين ل ُت َحيِّز جز ًءا ،غير أنها لن
تسلم من تشويش الأجزاء الأخرى التي تلتقطها
إلى حزم تسهل القراءة واستنباط الدلالة، بشكل لا إرادي ،وبذلك تمارس الأجزاء جمي ًعا
وللإيضاح فإنه بإعادة ترتيب نموذج من نماذجها تشتيتًا على بعضها البعض أثناء القراءة ،مما يمثل
عقبة في تدفقها ،وحجة من حجج إبطال التأويل،
في الديوان (ص )68 :نحصل على الحزم الأربعة ولا يمكن فض هذا الاشتباك بالتعامي ،مما يمثل
الآتية: ضغ ًطا كبي ًرا على القارئ أشبه بما يمارسه الضوء
-متى يؤون الأوان لمن لا أوان له؟ على عين إنسان واقف في مسرح للمرايا.
-ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا. وتعد الاستعانة بالرموز غير الكتابية ،إضافة
إلى طريقة تقديم المحتوى ،أداة أخرى من أدوات
-ما الذي يهطل في قلبي؟ مضاعفة الدلالة في الديوان ،فهي ليست رسو ًما أو
-يهطل الظلام في قلبي لا يبللني. رمو ًزا اعتباطية ،وإنما هي دوال مرتبطة بالسياق
-وبين أصابعي سمكة حمراء ،والثوب الشفاف العام للديوان لا تستعصي على التأويل ،مث ًل شكل
الشمس المنطفئة في الصفحة الأولى للديوان لا شك
ملتصق بجسدي. أنه يمكن تأويله بالثورة المجروحة ظاهرة وغائبة
في آن ،كأنها تحت كشطة كما يقول دريدا ،أشعة
-فنجهل فوق جهل تعطي إيحاء بإضاءة العالم غير أنها أشعة سوداء،
الجاهلينا فهذا الوجود الأسود للشمس يقدمها على أنها
شاهد عيان على تاريخ طويل من النكبات (فرعوني
-ولكنه ضحك ومسيحي وإسلامي) ،وتعويذة للخلاص في الوقت
كالبكا ذاته ،الأمل الذي لم يتعب من مرافقة اليأس عبر
-وحاربت بد ًل منها الديوان كله.
الأناشيد وإلى جانب هاتين الوسيلتين يعتمد الديوان على
استراتيجية تعدد الفواتح والخواتيم ،فالديوان يبدأ
-ما الذي قاله من الجزء ويبدأ من الكل ،من المتن ومن الحاشية
العصفور؟
-صوت دم أخيك
صارخ إل َّي من
الأرض.