Page 59 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 59
57 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
سليمان وهو في حالة شك في غفران الله ،وكان لم الحكمة إلى العشق الإلهي ،ينضم إلى هذه الأسفار
يكتشف بعد محبة الله الغامرة» ،ويقول آخرون :إنه الثلاثة :التاسوع المقدس ،وكتاب الموتى ،وشكوى
سفر الكاروبيم لا السيرافيم؛ لأن سليمان قد سقط الفلاح الفصيح ،من التراث الفرعوني القديم .وقد
استحوذ سفر الجامعة على الصدارة من بين هذه
رغم امتلاكه الحكمة ،والحكمة وحدها لا تكفي
بعكس السيرافيم الممتلئ بالحب الذي لا يسقط أب ًدا، الإشارات جمي ًعا؛ فالعنوان« :أرعى الشياه على
وفي سفر التكوين« :العلم ينفخ لكن المحبة لا تسقط المياه» مقتبس منه ،وهو ما يشي به المتن الشعري
أب ًدا» ،ورفعت سلام في انحيازه الكلي يبدو أقرب إلى حين يكرر هذا العنوان« :أرعى الشياه على المياه،
الكاروبيم لأنه يفضل أن يكتب الهجائية التي تعكس
وجهة النظر فيما حدث ويحدث« :فلتعبرني الأقنعة تقضم الرذاذ والزبد الطافي ،وتؤاخي الأسماك
والصيادين؛ تقول لي :اتئد؛ لا وقت للولادة ولا
المارة بسلام ،بلا رذاذ .فأنا أفضل كتابة الهجائية
للزمان ،والمكان ،والأحوال ،والأشخاص ،والأحلام، للموت ،لا وقت للغرس ولا للحصاد ،لا وقت
للهدم ولا للبناء ،لا وقت للضحك ولا للبكاء ،لا
والأوهام ..إلخ»( .الديوان)126 : وقت للكسب ولا للخسارة ،لا وقت للكلام ولا
وعلى حين ظفر سفر الجامعة (سفر الكاروبيم) للسكوت ،لا وقت للحب ولا للحرب» ،وما يذكره
بأن يكون المنطلق في حكاية يناير يهيمن نشيد الهامش التفسيري لهذا المتن صراحة« :ذلك ما
قالته شياهي لي ،قبل أن يناقضه الجامعة في سفره
الإنشاد (سفر الساروفيم) الشهير .لكني أميل إلى شياهي –وهي ترعى على
على المتن الشعري المياه الرذاذ المتناثر -كانت أكثر حكمة من الجامعة»
في الديوان بصوتيه (الديوان ،)59:يؤكد هذا ويعاضده التناص العكسي
الذكري والأنثوي الناشب بين ما ورد في الإصحاح الحادي عشر
من سفر الجامعة« :ارم خبزك على وجه المياه فإنك
(سليمان وشالوميت) تجده بعد أيام كثيرة» ،وما يقوله رفعت سلام:
اللذين يمثلان الحياة «فرميت نايي القصب على سطح المياه؛ فاستحال
النابضة المشعة تحت ثعبا ًنا هائ ًل ،التهم الشياه ،شاة شاة ،ثم التفت إل َّي:
ركام اليأس الجامعي
الخالد :ذكر وأنثى بطريقة -فماذا سترعى الآن ،أيها اللئيم؟
رفعت سلام في ديوانه -سأرعى الملل العظيم( .الديوان)60 :
السابق( :هكذا تكلم وسفر الجامعة كما يصفه الأنبا تكلا هيمانوت:
«سفر إنسان فيلسوف ،حكيم يجول باحثًا عن
الكركدن) يناديان السعادة ،أو كيف يحيا الإنسان سعي ًدا في هذا
بعضهما البعض نداء العالم ،هو سفر اختبارات يعكس فيه سليمان
اختباراته العملية في سني حياته المختلفة ،فسليمان
إيروتيكيًّا متعاقبًا يحكي خبراته التي سبق وجربها ،ثم يقول إنه
وجد أنها باطل أي لم تعطه السعادة التي كان
يتصورها» .وهذا ما يتسق وتساوي الأضداد:
(الولادة /الموت ،الغرس /الحصاد ،الهدم /البناء،
الضحك /البكاء ،الكسب /الخسارة ،الكلام/
السكوت ،الحب /الحرب) ،والمؤاخاة بين السمك
والصياد ،أية شياه هذه سوى شياه اليأس؟ وأي
وقت هذا سوى الموت؟ ويقول بعض الشراح أي ًضا
عن سفر الجامعة« :إنه سفر يدعو إلى اليأس ،كتبه