Page 145 - مسيلة للدموع
P. 145

‫ابتسم آسر‪ ،‬وقال‪:‬‬
                                                                ‫‪ -‬أنا آسر عبد الرحمن‪ ،‬رفيقك في القضية‪.‬‬

                                                                                               ‫قال مازحا‪:‬‬
                                                                   ‫‪ -‬وأنا أمين عبد الكريم‪ ،‬أخوك الصغير‪.‬‬

                                                                                       ‫ضحك آسر‪ ،‬وقال‪:‬‬
                                                               ‫‪ -‬نعم يا سيدي‪ ،‬تبدو أكثر شبابا مني بكثير‪.‬‬

                                                                          ‫تجلى صوت لمعتقل ثالث معهم‪:‬‬
                                                    ‫‪ -‬ماذا سيفعل كل منكم إن حصلنا اليوم على حكم ب ارءة؟‬

                         ‫غدا الجميع لوهلة يفكرون في الإجابة‪ ،‬بينما كان عم أمين سريع الإجابة‪ ،‬فقال بسرعة‪:‬‬
                                                        ‫‪ -‬سأزور قبر ابنتي الذي لم أزره إلا مرة واحدة فقط‪.‬‬

                                                                         ‫انتبه آسر لما قيل مستغربا‪ ،‬وقال‪:‬‬
                                                           ‫‪ -‬رحمها الله‪ ،‬ولكن لَِم َلْم تزره إلا مرة واحدة فقط؟‬

       ‫‪ -‬ابنتي أحسبها شهيدة عند الله‪ُ ،‬زّفت إلى السماء يوم فض ميدان اربعة العدوية‪ ،‬استطعت زيارتها مرة‬
                                  ‫واحدة فقط‪ ،‬من بعدها صرت مطاردا ثم وقعت قيد الاعتقال‪ ،‬ولم أزرها ثانية‪.‬‬

       ‫أخفض آسر أرسه‪ ،‬تذكر آلامه الماضية‪ ،‬ومشاهد الفض القاسية التي ُعرضت كشريط أمام ناظريه من‬
       ‫جديد‪ ،‬علم آسر ِلَم الرجل شارد‪،‬ولَِم يصمت كثي ار‪ ،‬ويفكر أكثر‪ ،‬له الحق بأن يسافر بخياله‪ ،‬فعالمه لا‬
       ‫ينتمي إلى القيود‪ ،‬ولا يمكن لقلبه أن ُيحَبس‪ ،‬خياله المعلق بالسماء حيث ابنته ال َملاك‪ ،‬وقلبه المتتبع آثار‬

                                                                                       ‫أقدامها حتى الجنة‪.‬‬

       ‫أ ارد آسر أن يغّير الموضوع؛ حتى لا يفتح باب آلامه من جديد‪ ،‬ويذّكره بأح ازن قاسية مضت مع ُمضي‬
       ‫الأيام‪ ،‬ولم تم ِض مع بقاء الذاكرة‪ ،‬فسأله عن أحواله‪ ،‬ولم يكن يدري أن ذلك السؤال أيضا يحمل في‬

                                                                                     ‫إجابته كثي ار من الألم‪.‬‬

‫‪145‬‬

                                                                                             ‫مسيلة للدموع‬
   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150