Page 142 - مسيلة للدموع
P. 142
بعد محاولات مستميتة لتحديد موعد للزيارة ،تج ّهزت أم آسر وحورية وفاطمة للذهاب ،آخذات معهن
قلوبهن المنكسرة ،وشوقهن المتصاعد ،وجرحا يصنع ُغ ّصة مع كل شهي ٍق وزفير.
كانت أُسر المعتقلين كثيرة جدا ،معظمهم يأتي من أماكن بعيدة ،ويضطّر لتأجير سيارة بمبلغ وقدره؛
لتنقلهم من محافظة إلى محافظة.
من أُسر المعتقلين من لم يَر معتقله منذ أشهر ،بدون سبب واضح أو غير واضح ،بدون سبب وفقط،
بدون أي مبرر تُمنع الزيارة لشهور طوال أو ربما يصل الأمر لسنوات.
كيف يكون شعور أم أو زوجة ،ابن أو أخ ،وهم يعلمون مكان احتجاز ذويهم ،ولكن يمنعهم من الوصول
إليه أسوار ،وأسلاك ،وأناس بنظا ارت سوداء متعجرفةُ ،يلّقبونبضباط وعساكر؟
انتظر الأهالي لساعات طويلة تحت لهيب الشمس والحر ،مصطّفين في طوابير ،بعضهم تعب وضجر،
ف ارح يجلس على الرصيف الموجود على طول مبنى السجن الخارجي.
أطفا ٌل تبكي من الجوع والتعب ،فتصّبرهم الأمهات بقولهم«:إننا بعد قليل سوف نرى بابا» ،فيهدأون،
ويسكنون ،ويتجدد بداخلهم الأمل الذي يجعلهم ينتظرون.
وسيدة عجوز أتت بجسدها المستو َطن بالأم ارض ،من ضغط ،وسّكري ،وآلام في العظام؛ لترى ابنها ،ثم
بعد مدة من الوقوف ال ُمن ِهك وقعت أرضا من أثر انخفاض ضغط دمها ،فتجمع الأهالي حولها ،وأحضروا
لها ماء وعصي ار.
وزوجة طلبت من عملها إجازة لمدة يوم واحد؛ لكي تذهب إلى الزيارة ،ذلك العمل الذي حصلت عليه بعد
عناء؛ لتستطيع سداد احتياجات المنزل بعد اعتقال زوجها ،فقد كان العائل الوحيد للأسرة .كانت من قبل
قد باعت أشياء من عف ِش البيت؛ لتستطيع سداد تكاليف الزيارة ورعاية أبناءها!
وحكايا ٍت متشابكة عديدة تُصنع منها حلقات لمئات المسلسلات ،وعش ارت الأفلام ،وبعد كل هذا ،أبل َغ
السجن الأهالي بأنه قد تم إلغاء الزيارة.هكذا ،بكل بساطة ،رموا بمتاعب النساء ،وبكاء الأطفال ،وسعي
الشيوخ ُعْرض الحائط!
142
مسيلة للدموع