Page 146 - مسيلة للدموع
P. 146
رفع عم أمين عينيه الهزيلتين ،وابتسم ابتسامة تحاول أن تخفي ما بها من أسى ،وقال:
-في نعم ٍة ،والحمد لله.
سكت آسر ،ولم يقتنع بإجابة عم أمين؛ فقد كان يظهر عليه التعب جلًّيا.
************
بدأت الم ارفعة ،وبدأ المحامون يتحدثون عن المتهمين ،ويدافعون عنهم ،تحّدث محامي عم أمين عن حالة
موكله ،وكيف أنه مريض بالسّكري ،وارتفاع ضغط الدم ،مما يتسبب في مشكلات بالقلب ،وأنه معّرض
في أي لحظة للإصابة بأزمة قلبية أو غيبوبة سّكري .الدواء ممنوع من الدخول إلى زن ازنته ،حالة عم أمين
في تدهور مستمر ،وحياته معّرضة لخطر حقيقي ،ولا حياة لمن تنادي.
لم يحّرك القاضي ساكنا ،وحتى إن أ ارد فعل شيء فلن يستطيع ،فالقاضي ما هو إلا أداة من أدوات النظام
وأجهزة الأمن ،ودمية يديرونها كيفما يحلو لهم.
نظر آسر بفزع إلى عم أمين ،والأسى يملأ صوته ،وقال:
-أحاولت أسرتك تقديم طلب لإدارة السجن بإدخال الدواء أو تقديم شكوى للنائب العام بعدم السماح للدواء
بالدخول؟
رد عم أمين بصوت منهك:
-هناك الآلاف مثلي يا ُبني ،ولا أحد يستمع إليهم أو يهتم لشأنهم ،إن إدخال الدواء للمرضى من
المعتقلين لا يحتاج إلى تقديم شكاوى أو طلبات ،بل يحتاج فقط إلى قليل من الإنسانية ،ومن أين لك أن
تحضر لهم الإنسانية؟
هّم القاضي بالحديث بعدما خبط عدة خبطات بعصاه الخشبية؛ ليصدر حكما بتأجيل الجلسة أسبوعين
آخرين؛ لاستكمال سماع شهود الزور الذين هم من الضباط ،ولا شهود غيرهم.
146
مسيلة للدموع