Page 144 - مسيلة للدموع
P. 144
تم تلفيق تهمتين لآسر :تهمة بقطع طريق ،وحرق منشآت عامة ،وأخرى بقتل ضابطين أثناء اشتباكات
للشرطة مع عناصر مسلحة ،على حد قولهم.
والعجيب أن تاريخ ارتكاب تلك التهم كان في فترة اعتقال آسر الأولى ،أي أنه معتقل من قبل حدوث تلك
الوقائع من الأساس ،ولكن التلفيق لا نهج له.
اليوم موعد محاكمة آسر في قضية قطع الطريق ،وحرق منشآت عامة ،لا يعرف آسر أي شخص من
المتهمين الذين معه في القضية ،بل إن أول مرة ي ارهم فيها هي تلك المرة في المحكمة ،حيث إن كل
معتقل منهم يقبع في زن ازنة انف اردية ،فكيف ُيتهمون بأنهم مشتركون في عمل جريمة سويا ،وهم يلتقون
الآن لأول مرة في حياتهم؟!
إنه العبث والفوضى.
تعَّرف آسر إلى من معه في القضية لأول مرة ،كان منهم رجل خمسيني ،تكاد عيناكتصّنفه شابا ،ولكنها
ُسرعان ما تُدرك بأنه قد أصابه الشيب حديثا ،بعدما ارتسمت علاماته على وجهه المضيء.
إذا ما رميت صَّنارتك ب ُطعم الفضول لتصطاد صيدا من خياله فلن تنال شيئا؛ فقد كان هادئا شاردا
متأملا ،أو ربما كان ُمساف ار يسبح في أفق خياله شمالا وجنوبا ،شرقا وغربا ،ويحّلق في ساحات الفضاء،
ويغوص تحت أعماق البحار ،مع أنه مسجون!
ياللتحدي النابع مع شبابك أيها الكهل! وكأن خيالك البعيد يتحدى الس ّجان ،ويقول له«:ها أنا أسافر،
وأحلق ،وأغوص ،أتستطيع كبح خيالي أيها الخاسر؟ فما نلت مني غير سجنك لجسدي ،أ ّما روحي
وخيالي فلست عليهما بمسيطر».
كان الكهل الشريد يبدو عليه الإرهاق والتعب الشديدان ،يجلس على مقعد خشبي داخل قفص الاتهام،
ُمسندا أرسه إلى قضبانه الحديدية ،يفكر.
أ ارد آسر أن يقتحم عالمه ،ليس تعّديا على الخصوصية ،ولكن لمشاركة حكايات دفينة ربما يحملها الكهل
وحده على كاهليه ،ولم يحملها أحد معه ،فأ ارد آسر أن يكون عونا ،مد آسر كفه ليصافحه ،انتبه الرجل،
ورفع أرسه ،وابتسم ابتسامة صافية ،ورحب بآسر ،وكأنه صديق قديم.
144
مسيلة للدموع