Page 103 - m
P. 103
101 إبداع ومبدعون
القصة
الوحيدة التي يرضخ لها الأب ،فنادته هذه الأخرى البيت ثلاث مرات أغلب الظن« :يالله ،يالله».
بعد المساومة ،وعرف جابر من خلال التغيرات -هلا بأولاد عمي ،تبيِّضان وجوهنا ،تفضلا .ثم وهي
الأخيرة في الجلسة بأنه خسر المعركة كالعادة.
تلتفت إلى زوجها عباس :انتظراك طوي ًل في الزقاق،
*** لابد أنهما جائعان ،سأسكب لكم الغداء فور جلوسكم.
ليلة قبل انطلاقة الأم إلى الشارع ،استيقظ عباس بعد ***
منتصف الليل بعد أن رن هاتفه لمرتين ،واحدة تلتها
الأخرى ،ما جعله يتيقن بحتمية الأمر ،فذهب صريع في الصباح الذي سبق انطلاقة الأم إلى الشارع
الأرق كما شاطرته زوجته لغاية الصباح ،وإلى اللحظة استيقظت القرية على صوت زغرودة تعدت دقائقها
التي ُطرق فيها الباب طرقات متوالية ،منذرة بمجيء
جابر وإجباري إلى المدينة ،حيث يقطن عباس؛ شقيق المعتادة ،قبل أن يختمها تردادها في ساحة الفناء،
إجباري .وأ َّكد مجيئهما الخطة التي أعلنت عنها الجدة بحماس خلَّص القرية من نباح كلابها ،وتناست
صبا ًحا ،ومع أنه وزوجته لم يسمعاها عن كثب إلا الديوك صياحها للمرة الأولى في تاريخ القرية برمتها؛
أنه تخيلها جي ًدا ،ووصفها لزوجته بالتفصيل المدقع ذلك ما حث أهل القرية على القول إن« :بيت أبي
حسب معرفته بها ،وكما أضاف لها بأنها لم تطلق إجباري سيأخذون بثأرهم» .ساد صمت في القرية
زغاريدها إلا في هكذا مواقف ،دلالة على أهميتها ،غير وهي تترقب الحدث الوشيك بهدوء شديد ،ذلك قبل أن
أنها زغردت في صباح حفل زفاف إجباري؛ حفيدها ُت َشا َه ُد السيارة في الطريق ما َّر ًة بالفلاحين والفلاحات،
العزيز .بعدها غادر عباس لساعات غير طويلة ،لكنها أولئك الذين تبادلوا تحيات الصباح مع السيارة،
بدت طويلة ،طويلة ج ًّدا لإجباري ،وقصيرة لابن عمه قبل أن تشرئب أعناقهم ،على أمل تت ُّبع السيارة التي
واراها الغبار المثار بفعل السرعة .وسرعان ما تناقلت
الآخر. الألسن شائعة من القرية إلى مجاورتها ،مفادها أن
الغضب بلغ بإجباري درجة الح ْجم عن الرد ،غير أن
*** الحقيقة بقيت طي الكتمان؛ ذلك أن شاهدها الوحيد
كان جابر ،هو الذي اتخذ الصمت نأ ًيا عن الولوج في
انطلقوا ثلا ًثا فيما الظلام يهدهد الليل كأنه طفل لا دوامات الظنون التي تفاقمت مع تصاعد الأحداث في
يأبى السكون ،انطلقوا فيما مريم تودعهم بصلواتها
وزغرودتها التي استعصى عليها أن تحاول مناهضة تلك الآونة.
قبل أن تبصر القرية الغبار المخلَّف جراء السيارة،
زغرودة الجدة .زغردت وهي تفكر« :ماذا ستقول وقبل أن تتناهى الجلجلة إلى الأذن كافة ،مارة من
عني نساء القبيلة غ ًدا؟»! لكنها راحت تغالب الشعور النخيل وزرائب الحيوانات ،معلنة منافسة صباحية
بالخوف بعد ذلك ،ما جعلها تجلس في الفناء منتظرة؛ مع الديكة ،خاصة وأن الكلاب بدورها تنازلت عن
محاولة خائبة لتقليد الجدة الورعة التي تحلف القبيلة دورها المعتاد لأوامر الجدة ،هي التي كانت تحرس
برمتها بشهامتها .بيد أن صليل الرصاص الذي خلَّف القرية قبل ميلاد الجدة حتى ،وقبل أن يطير الفجر
الظلام بفأسه ،مقب ًل على القرية بيوم ينذر بالشؤوم،
وراءه عشرات الثقوب في الباب المقابل كان أقوى اجتمع الكبار في بيت أبي إجباري بغية مماطلة ال ُهدنة
بكثير من زغرودة الجدة .ذلك الباب الذي سيصبح قبل التفاوض ،لكن السيارة في الصباح ،والزغرودة
مقد ًسا لجابر بمرور الزمان ،مثل الزمان الذي أكل قبل ذلك ،دحضت الظنون القائلة إن الهدنة تمت لثلاثة
حوافه كالأرضة شيئًا فشيئًا ،والآفة التي نزلت بالبيت أيام أخرى .ومع أن المحاولات التي استمرت لأربع
تعبث بجمال الأم المنطلقة ونفسياتها ،تملأ خياشيمه ساعات متواصلة كادت أن تقنع أبي إجباري بالتنازل
بالخيبة والأمل؛ بعدما خطفت الآفة منها ابنها مالك. لهدنة أخرى ،غير أن ابنه الكبير إجباري ،والمعروف
بكرمه في القرية تدارى الأمر في الدقائق الأخيرة؛ إذ
مالك الأمل الممحوق ،بإرثه الساعي إلى الوجود. غادر المكان ليساوم جدته ،وهو على معرفة تامة بأنها
الرصاصة الأخيرة انطلقت من سلاح إجباري معاندة
سكون الليل لتجد ضالتها في صدر جدار بيت الأم