Page 105 - m
P. 105

‫‪103‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة‬

     ‫بعدما مرت خجولة من الباب المتآكل‪ ،‬الرصاصة‬
  ‫الأخيرة كانت دلي ًل كافيًا لانطلاقة الأم إلى الشارع‪.‬‬

   ‫ف َّرا هاربان ريث أن يلتحق بهما عباس في مستهل‬
     ‫الشارع‪ ،‬لكن صوتها أوقفهما؛ الكلمات ونبرتها‪.‬‬

                          ‫‪ -‬يما ماذا تريدان منَّا؟‬
‫ضرب إجباري جبينه بكف يده‪ ،‬لاعنًا الزمان‪ ،‬ظنًّا منه‬

   ‫أن العنوان غير صحيح‪ ،‬وأن الرصاص ذهب هبا ًء‬
   ‫منثو ًرا‪ ،‬غير أن القوة التي استوقفته قبل قليل هي‬

                               ‫التي حثته يسأل‪:‬‬
                           ‫‪ -‬أو لستم بني تميم؟‬
‫في هذه الأثناء سدت طريقهما البرايد البيضاء ليهرولا‬
  ‫لها مسرعان‪ ،‬لكن صوتها تردد في أذن جابر طوال‬
      ‫الطريق‪ ،‬وربما طوال حياته؛ «نحن كلنا عرب»‪.‬‬
  ‫وقع شجار في السيارة قبل وصلوهم إلى البيت‪ ،‬مع‬
   ‫تصاعد الأنفاس المتوترة على إثر الإثارة والغضب‬
   ‫والحنق‪ ،‬الشجار الذي قصم علاقة جابر وإجباري‬

                                 ‫لسنوات طويلة‪.‬‬
  ‫‪ -‬اللعنة عليك‪ ،‬قلت لك تأكد من العنوان‪ ،‬قلت أم لم‬

                          ‫أقل؟ يا جبناء‪ ،‬يا حريم‪.‬‬
  ‫‪ -‬أقسم بابني الكبير‪ ،‬إنه بيت ابن عم القاتل‪ ،‬متأكد‬

                                       ‫من ذلك‪.‬‬
 ‫‪ -‬تلك العجوز الشمطاء كاذبة‪ ،‬إنها تكذب علينا‪ ،‬كان‬

                                     ‫علينا قتلها‪.‬‬
     ‫‪ -‬لا تجلب اسمها على لسانك الدنس‪ .‬قال جابر‬

                                      ‫ممتع ًضا‪.‬‬
               ‫‪ -‬الرصاص ببطنك حلال‪ ،‬يا حرمة‪.‬‬
  ‫قال ذلك وهو يلتفت لضرب جابر الذي كان جال ًسا‬
  ‫في المقعد الخلفي‪ ،‬ما حدا بعباس أن يو ِّقف السيارة‬
  ‫فجأة لردع النار التي نشبت بينهما‪ ،‬غير أن ذلك لم‬
  ‫يمنع وقدة الحقد التي ملأت نفس ابن عمه‪ ،‬ذلك أن‬
‫جابر عزم على كسر حاجز الصمت‪ ،‬لأنه عرف‪ ،‬عرف‬
‫جي ًدا أن الأم التي انطلقت إلى الشارع كانت قد قررت‬
‫أن تصبح أ ًّما للجميع‪ ،‬حبًّا لإرث ابنها الذي أُع ِدم قبل‬

                              ‫أعوام‪ ،‬عرفها جي ًدا‪.‬‬

‫فأمسك بها [الأم] دركي من ياقتها وهي تصيح‪:‬‬
‫و ِّحدوا أيها الناس قواكم في قوة واحدة عاتية!‬
‫مكسيم غوركي‪ :‬رواية الأم‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110