Page 106 - m
P. 106
العـدد 57 104
سبتمبر ٢٠٢3
فريدة بالرقي
(الجزائر)
هلع
ويسا ًرا لم أجد أبي! أين؟ بحث ُت يوجد أحد داخل القسم. الساع ُة تشي ُر إلى الثاني ِة صبا ًحا،
عنه ،ووجد ُته فقد وعيه عند باب نادي ُت بصو ٍت مرتفع «أين الكل غر َق في نو ٍم عمي ٍق يتمرغون
المستشفى بسبب انخفاض ضغط في وسط أحلامهم ،فجأة إذ بطرق
دمه ،أدخل ُته إلى الداخل ،ووضعوا الطبيب»؟ قوي على الباب ،قفز ُت من سريري
خر َج ممرض من الغرفة عيناه
له مصل. مفزوعة بشدة .أسرع ُت نحو
أتى الممرض وحدثني بسرعة: مغمضتان ور َّد عليَّ« :لماذا الباب ،أبي يهرول خلفي ويسألني
«اتصلي بالمتبرعين؛ ليحضروا تصرخين هناك مرضى؟».
أمسك ُت ُه من قميصه وسحب ُته بذهو ٍل «هل بابنا الذي ُط ِرق»؟
فو ًرا لقد نزف كثي ًرا». بقوة إلى السيارة وصح ُت فيه ينادي أبي :نعمَ ،من الطارق؟
صراخ الطبيب يرتط ُم في أذني: «أخي في السيارة يموت ،أرجوك لا يجيب أحد .يفت ُح أبي البا َب،
والمطرقة بيده ،نتفاجأ بأخي
«جهزوا غرفة العمليات». أسعفه ،ساعده». ملقى على الأر ِض يسب ُح في دمائه،
دقات قلبي تكاد تفر من صدري تلعثم الممرض وقال« :حسنا، صرخ ُت بكامل قوتي :أخي أخي،
أدخلوه بسرعة هيا ساعدوني». ركض ْت أمي نحونا وهي تتمتم
من سرعته،ا وبدأ لساني يلهج خرج الطبيب من غرفة العمليات ببعض الدعوات .تفق َد أبي نبض
بالدعوات« :يا الله احفظه ،يا الله وتو َّجه نحونا وسألني« :ماذا أخي ،صاح فينا« :لا يزال حيًّا ،هيا
حدث»؟ أشر ُت وأنا منهارة أخي..
نحن لا نطيق فراقه». أخرجي السيارة بسرعة!».
خرج َالطبيب ،وأخبرني قائ ًل: أخي يموت ،أرجوك أنقذه. حمله أبي كالرضيِع بين ذراعيه،
«أخوك قد تعرض لطعنة على أبي يبكي ،ويصيح :مات ابني.. أدخ َل ُه السيارة ودمعه ينهمر من
مستوى البطن ،وسنحاول بكل على خ ِد ِه ،ثم صر َخ ف َّي «أسرعي
جهدنا إنقاذه ،لكن يجب جمع الدم مات ،يتفقده الطبيب ويطلب أسرعي» ،وأخذ يردد «لن تموت
إدخاله إلى غرفة الإسعافات الأولية
له».. يا بني لن تموت» ..رددها هذه
بدأ ِت العملية .م َّرت الساعة الأولى سري ًعا. الجملة طوال الطريق.
أنتظ ُر أما َم البا ِب بحالة عصبية
والثانية ،حتى حانت الساعة مضطربة ،بثياب النوم ملطخة وصلنا أخي ًرا إلى المستشفى،
الثامنة صبا ًحا ،م َّرت كأنها سنين بالدماء ،حافية القدمين ،عارية ولا أعلم كيف وصلنا .نزل ُت من
الرأس ،لم أنتبه لحالتي حينها. السيارة وصرخت بملء شدقي في
وليست ساعات. خرج الممرض وسألنا ما فصيلة المتجمهرين عند مدخل المستشفى
خر َج الطبيب منهك القوى
وأخبرني بصوت متعب« :لقد دمه؟ «ساعدوني أخي يموت».
نجحت العملية ،لكن لا تزال حالته (أ) موجب ،أنا أتبرع وأبي أي ًضا، وجدنا قسم الإسعافات فار ًغا لا
حرجة لم نتجاوز الخطر بعد».
اتصل ُت بأقاربي ،لا أحد يجيب، نفس الفصيلة ..تلف ُّت يمينًا