Page 102 - m
P. 102
العـدد 57 100
سبتمبر ٢٠٢3
سرور ناصر (الأهواز)
الأم
صدره إلى الأمام بينما تريثت يداه إلى الخلف قلي ًل، في النهار الذي سبق انطلاقة الأم إلى الشارع كان
فيما لحقه جابر منتكس الرأس ،محاو ًل الخروج من جابر يذرع الزقاق جيئ ًة وذها ًبا ،مبد ًيا اهتما ًما بال ًغا
بخطواته العشر التي ح َّددها طول الزقاق الضيِّق مثل
مشكلة ُحو ِص َر فيها قس ًرا ،وقد لمحه عباس بينما قدر محتوم ،ليو ِّطن نفسه على الهدوء ،عكس إجباري
يتر َّجل سيارته دون أن يستغرب ملامحه وهو على الذي آثر الجلوس على عتبة الباب ،غير آبه بهرولة ابن
عمه الذي يمرق منه عشر مرات متتالية في الدقيقة
معرفة تامة بسلوك ابن عمه المهادن ،غير أنه على الواحدة .بيد أن اللحظات تتكوم منهارة قبالة الجالس
عكس إجباري الذي ينتهز الفرصة للانتقاص من
ابن عمه ،يداري الوضع بتفهم أرقى ،لكن ليس هذه حيث أقطاف السجائر تتناطح والدقائق المتعجرفة
المرة ،لا سيما وأن القرية تنتظر أخبا ًرا سارة ،وعليه قرن بقرن؛ تغالب الغضب بالغضب .نشوة تنبجس
اكتشف جابر الوضع من اللحظة الأولى التي شاهد
فيها سيارة ابن عمه؛ ذلك أن تر ُّجل عباس من السيارة في جسده ،نشوة لا يمانعها الغضب ،آخذة به إلى
غامز حمل في جوفه النقيض لأوهام جابر وكأنه يقول الساعة التي انتظرها طوال ثلاث ليال متوالية .منذ
له« :أتممت المهمة على أحسن وجه رغم دعاءك غير يوم الاثنين الفائت وهو يترقب الساعة الآتية؛ ساعة
المستجاب!» .فتح صندوق السيارة فيما يلتفت يمنة
ويسرة ليعرض عليهما صنع يديه بعد التأكد من الانتقام بعد ال ُهدنة.
جريان الشارع في هذه الساعة ،وق َّدم سخاءه بشراهة -خائف؟ الخوف ليس من شيم الرجال ،ألم تسمع
انتظرها إجباري ،بينما لاح الأسى على وجه جابر،
أما عباس فقد بقي على حالته الأولى ،يستطلع زحام صوت جدتنا يجلجل في القرية مع صياح الديكة؟
الشارع؛ غير أن الحي برمته َيرى ولا ُيرى! وعلى هذه ألا تخجل من نفسك يا رجل والحرة تناديك تطلب
السيرة حملوا البطانيات كل على حدة ليحجبهم الزقاق
الضيق الذي استعصى عرضه ضم السيارة ،فيما بثأرها؟
هواجسهم توقفت عندما نادى عباس وهو يدخل عتبة -الخوف مماذا؟ قلت لك منذ أن تركنا القرية صبا ًحا
الباب: إنني لبَّيت الطلب شريطة ألا تسفك الدماء .ما هكذا
-مريم ..يا مريم.. تحل الأمور يا أخي وابن عمي.
-هلا ،هلا ،يا أبا الغيرة.
-خذي الأطفال إلى الغرفة واقفليها عليهم ،جهزي لنا -هه يالله ،أنت مكانك مع الحريم ،لطالما قلت لجدتي
الغداء ،يالله ،بسرعة. إن مكان حفيدك جابر المدلل مع الحريم ،وسأقول إنك
-على عيني ورأسي .دقائق والغداء أمامكم. بحاجة إلى الشيلة بعد أن نرجع ،لكي نيأس منك مرة
دخلا الاثنان بعد صوتهما الذي أعاد نفسه في باحة
وإلى الأبد.
-استغفر الله ،استغفر الله ،ما عهدتك بهذا الشر.
ُختِم الارتقاب مع توقف البرايد البيضاء عند ناصية
الزقاق ،تزامنت مع وثبة إجباري من محله وثب ًة ارتاع
منها جابر على بعد أقل من متر .تق َّدم إجباري داف ًعا