Page 98 - m
P. 98
العـدد 57 96
سبتمبر ٢٠٢3
ظهر راضي فجأة في الشارع .كان بلا شعر ولا من عشرات لم يعرف منهم أح ًدا ،فمعظم رجال
أسنان ولا ذاكرة .كان ابناه يسيران به وهو يدور الشارع مختفين ،ومن لم يقبض عليه لم يجرؤ على
عينيه بين جيرانه وأصدقاء عمره وعلى وجهه الحضور .أحد المعزين والذي كان يحيط به جمع
ابتسامة بريئة دون أن يتعرف إلى أحد منهم. من الحرس عزلوه عن بقية المعزين ،سأل الأب إن
بعدها ظهرت مقالات تهاجم الرجل الكبير وعهده كان يحتاج شيئًا أو له أي طلب .لم يميز العجوز
بدون أي رد فعل من الحكومة حتى قيل إنها شخصية محدثه فهو ما زال يعيش صدمة موت
جزء من حملة تطهير للتغطية على فشل الحكومة ابنه التي أحيتها الجنازة ومواراة جثمانه التراب.
الدائم .فجأة عرف الجميع تفاصيل حياة وصعود لكنه استطاع أن يطلب من محدثه العفو عن رجال
الرجل الحديدي ،وأن تشريح الجثة أثبت أنه مات
مسمو ًما ،ولم يستطع أحد معرفة من سممه ولا الشارع فهم أحبوا ابنه كأنه ابنهم .كان نساء
متى ،لذلك توجهت الشكوك إلى كل من احتك الشارع يتناوبن على زيارة الأبوين للعزاء والتشفع
بالرجل حتى حرسه الخاص ،ولما لم يجدوا أي
دليل لم يبق إلا راضي فهو آخر من لمسه .وصفت للإفراج عن الرجال الذين لا ذنب لهم إلا رد
المقالات حياة الرجل العجوز في السجون بلا رحمة السلام .لم يكن الرجل طوال الأسبوعين يرى أمامه
بسنه ودون أي محاكمة .كان راضي يهيم في
ملكوته الخاص حين صار أشهر رجل في البلاد ولم يمثلن له إلا أطيا ًفا .لكنه تذكر أصحابه الذين
ورم ًزا لمن عانوا الظلم على يد الرجل الحديدي لم يعزوه بسبب القبض عليهم ،وشيخ المسجد الذي
ورجاله .حاولت القنوات استضافته وحاول اختفى لأنه كان يشتري من الخضري وقت مرور
الأبناء إنعاشه دون جدوى .صار كل من عرفه
يو ًما هد ًفا لمحطة أو مجلة ما .وعندما مات والد الرجل على الدكان.
الرجل الكبير لم يجد من يشيعه إلا بعض الأقارب رغم الشفاعة ،وعلو منزلة من وعد الأب بالتصرف،
وعم راضي ،الذي كان قد بدأ -وقد يئست منه
أسرته -في الانطلاق في الشوارع من الصباح إلى إلا أن الرجال لم يظهروا إلا بعد ستة أشهر ،أول
المساء مبتس ًما في وجه الجميع ،وعار ًضا خدماته في من ظهر كان سمير وابنه نزيه ،لم يتعرف عليهما
الحلاقة مجا ًنا .سار في الجنازة محتف ًظا بابتسامته
حتى وصلوا إلى المقابر حيث دفن الرجل الحديدي أهل الشارع في البداية فقد تحولا إلى هيكلين،
من قبل .وقف عم راضي لتلقي العزاء مع أقارب اختفى كرش سمير ولغده وما تبقى من شعره،
المرحوم ،كان في المدفن بعض من زملاء الرجل نزيه كان متماس ًكا يسند أباه ،ويلقي نظرات زائغة
الحديدي ممن تقاعدوا بعد محاولة تطهير الحكومة. خائفة على الجميع وكأنه لا يعرفهم .ظهر البقية
بعضهم عرف راضيًا فقد اشتركوا في التحقيقات. تبا ًعا بمرور الأسابيع والشهور .فتحت الدكاكين
سلم راضي عليهم متلقيًا «البقاء لله» بعرضه
للحلاقة .حتى وضع يده في يد أحد محققيه .فجأة وعادت الحركة على استحياء .لم يح ِك أحدهم
شهق راضي وكأنه تذكره .خاف الرجل الذي صار أي شيء ،ولم يبد على أحدهم أنه رأى البقية في
بلا حول بعد التقاعد من جنون راضي الظاهر .لكن حبسه .الوحيد الذي لم يعد كان راضي .لم يقلق
عليه أحد من الأصدقاء بل لم يبد أن أح ًدا يذكره.
راضي ابتسم أخي ًرا وقال: لم تجد أسرته عند أبوي الرجل الكبير أي صدى
-والله العظيم أنا كنت أحلق له قفاه. لتوسلاتهم ،فالأبوان لم يعرفا إلا ابنهما ولم يتحدث
إليهم أحد إلا من تشفع عنده الأب ليفرج عن
الجميع .لم تستطع أسرة راضي إيجاد أي واسطة
تخبرهم بمصير الأب ،فض ًل عن التشفع لخروجه.
فقط ذات يوم أتت قوة من الشرطة وأزالت الشمع
الأحمر من على باب دكان راضي .استبشرت
الأسرة بخروج راضي ،ثم اكتفوا بفتح الدكان
والبحث عمن يقوم بالعمل الذي لا يتقنه أحد منهم.
بمرور السنوات نسي الجميع راضيًا بل والرجل
الكبير .ثم حدث ما أعادهما لذاكرة الناس والبلاد.