Page 101 - m
P. 101

‫‪99‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

   ‫الضفة الأخرى؟ يمسك يدي‪ ،‬أعبر به‪ ..‬يشكرني‪،‬‬                                               ‫عن علمي‬
                                         ‫أقول‪:‬‬                                               ‫عن فني‬

                              ‫«أنا مدان يا هذا»‪:‬‬                                              ‫ولأني‬
                       ‫«في زمن لا يملك أي هوية‬                            ‫أحمل عشر هويات في جيبي‬
                  ‫سيكون مدا ًنا من يملك أي هوية‬
                        ‫مزقها‪ ..‬مزقها يا سجاني‬                                                 ‫غنيت‬
                    ‫اسحقها‪ ..‬اسحقها يا سجاني‬                                                 ‫صفرت‬
                                                                                            ‫صرخت‬
                           ‫وسمعت خطاه ورائي‬                               ‫ضحكت‪ ..‬ضحكت‪ ..‬ضحكت‬
                               ‫طق‪ ..‬طق‪ ..‬طق‪..‬‬        ‫ما أكبر ظلم إنسان يحمل عشر هويات في عتمة ليل‬
                                                                ‫عشر هويات في زمن لا يملك أي هويه»‬
‫كان البحر له‪ ..‬والليل له‪ ..‬وجميع الأرصفة السوداء‬     ‫‪ :1 /15‬أنزل في دوار عشائر‪ ،‬عليَّ أن أستقل سيارة‬
                                ‫طق‪ ..‬طق‪ ..‬طق»‬          ‫أجرة لألحق به ليعبر بي إلى الضفة الأخرى‪ ،‬ليس‬
                                                                     ‫الآن يا صالح‪« :‬أنت مدان يا هذا»‪:‬‬
   ‫أعود إلى الضفة الماضية‪ ،‬تصدمني سيارة وسط‬                                          ‫«في اليوم الثاني‬
  ‫الطريق‪ ،‬وتقذف بي في فتحة مجرور‪ ،‬أغطس فيه‬                                        ‫كان ببابي شرطيان‬
 ‫حتى رأسي‪ ،‬أتلطخ بالوحل والخراء‪ .‬تغيم رؤياي‪،‬‬                                        ‫سألاني‪ :‬من أنت؟‬
  ‫يتحلق حول رأسي حسن عيدان وصالح والصف‬                                                         ‫أنا‪..‬؟!‬
                                                                                        ‫بلند بن أكرم‬
                                       ‫والناس‪:‬‬                                  ‫وأنا من عائلة معروفة‬
                            ‫«‪ -‬أنت مدان يا هذا!‬                                      ‫وأنا لم أقتل أح ًدا‬
                                                                                   ‫وأنا لم أسرق أح ًدا‬
                                      ‫أنت مدان‬                                      ‫وبأني‪ ..‬فلماذا‪..‬؟‬
                                         ‫أنت‪»..‬‬                    ‫ضحكا مني‪ ..‬من كل هوياتي العشر‬
                                                                           ‫ورأيت ي ًدا تومض في عيني‬
      ‫يمطرونني بغيم بصاق سجائرهم‪ ،‬يغرسون‬                                 ‫تسقط ما بين الخيبة والجبن»‬
  ‫مساميرها في منفضة راحتي‪ ،‬ت َّوجوني بالسعف‪،‬‬         ‫‪ :1 /25‬ما زال هناك وقت‪َ ِ ،‬ل لا أمشي بقية الطريق‬
  ‫يسحبونني في أغلال وسلاسل‪ ،‬يحاولون تعليقي‬              ‫بمظلة الغيم‪ ..‬الشوارع فارغة إلا من عائدين من‬
                                                     ‫العمل شراذم هنا وهناك‪ ،‬أريد أن أسلك طري ًقا آخر‪،‬‬
    ‫مثل ذبيحة من قوس الجسر‪ ،‬لولا أ َّن ي ًدا أليفة‪،‬‬     ‫أن أذهب إلى البنك وأقضي معاملة متأخرة لكني‬
   ‫لطيفة كالحرير‪ ،‬بيضاء كالقطن‪ ،‬تقش ُع الصفوف‬        ‫أتقاعس لتعبي‪ ،‬وأستقل طريقي نحو البيت وصوت‬
                                                                                      ‫صالح يرافقني‪:‬‬
      ‫‪-‬الشمس كالمشمش‪ -‬تمسك بيدي وتعبر بي‬                                          ‫«‪ -‬أنت مدان يا هذا‬
    ‫إلى الضفة الأخرى وت ت ل ا ش ى الأصوات‪،‬‬                                                  ‫‪ -‬يا هذا‬
                                                      ‫ماذا فع ًل باسمي‪ ..‬وبرسمي وبتوقيع وزير العدل‬
        ‫ويتصاعد صوت كأنه قاد ٌم من قرارة بئر‪:‬‬                                          ‫لم أد ِر‪ ..‬لم أد ِر‬
                                 ‫‪ -‬لكنني مدان‪.‬‬
                                                                                               ‫لكني‬
                        ‫‪ -‬ومن منا ليس «مدا ًنا»؟‬            ‫أدركت بأن هوياتي ما كانت إلا شهادة زور‬
                           ‫‪ -‬أنا خطيئتي كبيرة‪..‬‬          ‫وبأني سأنام الليلة في السجن وباسم وهوياتي‬
                                         ‫‪ -‬قم‪.‬‬
                                  ‫‪ -‬لا طاقة لي‪.‬‬                                               ‫العشر‬
                                         ‫‪ -‬قم‪.‬‬                       ‫وضحكت‪ ..‬وضحكت‪ ..‬وضحكت»‬
                                       ‫‪ -‬مدد‪..‬‬             ‫‪ :1 /45‬عند دوار دائرة التربية والتعليم كان‬
                                         ‫‪ -‬قم‪.‬‬         ‫ينتظرني دون موعد مسبق‪ ،‬أعمى ‪-‬الحبر يوشك‬
                                   ‫‪ -‬مدد‪ ،‬مدد‪..‬‬        ‫أن يسيل‪َ ِ ،‬ل ل ْم أحضر مظلتي؟‪ -‬هل تعبر بي إلى‬
                              ‫‪ -0 :0‬قم يا بلند!‬
                                    ‫‪-------‬‬

      ‫* المقبوسات الشعرية‪ ،‬للشاعر العراقي بلند‬
                                      ‫الحيدري‪.‬‬

            ‫‪ -‬عنوان ديوان للشاعر بلند الحيدري‪.‬‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106