Page 111 - m
P. 111

‫نون النسوة ‪1 0 9‬‬

‫والحلاج‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬ولكنها حالة قريبة من هذا‬                                                       ‫وإعادة صياغتها بطريقة أخرى‪ ،‬وهذا يساعد‬
                                                                                                 ‫هذه الوحدة الوجودية في الارتفاع قلي ًل عن قيد‬
     ‫التفكير‪ ،‬لا أجمل في الدنيا من أن يتحول نظر‬

     ‫الإنسان من منظور التفكير المادي المفرط في‬                                                   ‫الأدوات اللغوية‪ ،‬وهذا ما تفعله الشاعرة عبير‬

‫اليوميات الصغيرة‪ ،‬وأن يستعلي على هذا التفكير‬                                                             ‫زكي وهي تحاول الإفلات من هذا القيد‪.‬‬

‫بآخر «وجودي» يجد نفسه فيه في قلب الحياة‬                                                          ‫قوة النص تتجلى في تخطي هذه المفردات التي‬

‫الوجودية‪ ،‬هكذا يرى البعض‪ ،‬ويرى آخرون أن‬                                                          ‫أحيا ًنا ما تكون واجبًا بحكم الارتباط الذهني‪،‬‬

‫الأفضل من المنظور الوجودي هو ذلك المنظور‬                                                         ‫وحكم الارتباط الفكري بين قوة الموروث وقوة‬

‫الذي يمثل الخطوات التي يخطوها على الأرض‬                                                          ‫الواقع الوجودي‪ ،‬ولننظر إلى الصراع بين حالة‬

‫وهو يمشي‪ ،‬ويأكل‪ ،‬وينام‪ ،‬ويتكلم‪ ،‬ويغضب‪،‬‬                                                                   ‫الانفلات من القيد البنائي وحالة الانطلاق‬

     ‫ويفرح‪ ،‬والأخيرة «كلمة الفرح بإضافتها إلى‬                                                            ‫الوجودية التي تمارسها الذات في النص‪.‬‬

     ‫نصف احتمال» يمكن أن تكون سن ًدا لي‪ ،‬وأنا‬                                                    ‫تقول الشاعرة في قصيدة «لي وحدي» وهي أول‬

     ‫أحاول تفسير هذه الوحدة الوجودية‪.‬‬                                                                                   ‫قصيدة في الديوان‪:‬‬
                                                                                                                 ‫َت“ ُوج ُِّرل ََتس َنطال ُاعلالَّض ّشو ِءم ُ ِظس ًّلَقب َل الصبا ِح‬
     ‫هناك ارتباط بين الحالة الذهنية في الرضا‬                                                                         ‫و َتنشره في ال َّسما ِء فيو ًضا‬

‫والغضب‪ ،‬والحزن والفرح‪ ،‬بما يحققه الإنسان‬                                                                 ‫َبوأفوليزيحر َبيصِاقهِه ِحتم َومأ َُلْانسكل ُانَّجِّيلهِملااِهي ُلرُال ُلطمُ َويب ُيوعش َدجرِ َفاقللاماِتلسبا ِبِء َاجصلْروع ِمفي ا ِقل ا َّلسمُحح َّْرل‬
                                                                                                                             ‫و ِل َيضح ُك النَّب ُض‬
‫على مستوى الوجود‪ ،‬والأجمل أن القصيدة التي‬

‫تحمل العنوان تقدم ‪-‬أول ما تقدم‪ -‬ذلك المنظور‬

‫المقابل للتفكير الوجودي الذي يسري في الكثير‬

‫من نصوص الشاعرة عبير زكي‪ ،‬وهو المنظور‬

                               ‫المادي‪:‬‬
                               ‫“و َيدا َك َت ْر َت ِعشا ِن‬
                  ‫وال َخط ُو المُ َز ْل َز ُل في َدبي ِب ال َعي ِش‬                                                                           ‫ِل َيرق ُص ال ُح ُّب‪..‬‬
                            ‫َيله ُث َعب َر ساحا ِت المِرا ْن‬                                                                                  ‫َتلهو ال َفراشا ُت‪..‬‬
                            ‫فمين أواي ََنح ٍة َن ْب َ َتخ ِدضي ُرءا َاءل ََتكلاضْم؟ح ُك ُكلَّما‬                                        ‫َيزهو ال َّربي ُع‪..‬‬
‫على‬  ‫ال َّضجي ُج‬  ‫َن َط َق‬  ‫لِسا ِن ال ُص ْب ِح في َو َض ِح النَّها ْر‬                                                  ‫و َيخض ُّر َفو َق ال َّطري ِق البِسا ُط‬

     ‫وأنا وأن َت ُهنا َك من بين الذي َن َت َو َسدوا ال َمر َج‬                                                           ‫وو َِيلخ َيططومائِل ُّن َّسامل ْر ّش َتا ُء الحزي ُن‬
                               ‫المُ َل َو ِن بال َخضا ْر‬                                                                ‫و ُيلقي عليَّ ُدمو َع ال ُغيو ِم‬
                               ‫َك َّفا ِن َتلتحما ِن‪..‬‬                                                                  ‫و َيغ ِسلُني في َندا ُه المط ْر‬
‫ال ُعر ِس َيمتح ُن ال ُخرو َج‬  ‫وعاللىقل َم ُبشاالمُر َك َِّفف ُن ُرفبي ِع ِث َيقار ِ ٍبن‬                                                     ‫وو َِتلح َيكيسه ُِرحكاال َيأا َ ِتجهُلا‬
  ‫ِمن َسرادي ِب ال َّظلا ْم»‬                                                                     ‫ِتل َك‬  ‫ال َقنادي ُل‪/‬‬      ‫ال َّسرمد ُّي‬
                                                                                                                        ‫َكال َمرافي ِء َهذي‬
‫واللافت أي ًضا أن الذات لا تنسى أنها في مقام‬                                                             ‫ال َّسواقي‪ِ /‬ظلا ُل ال ُبيو ِت‪ُ /‬فرو ُع ال َّشج ْر”‪.‬‬
‫وحدة الوجود الذي تحاول أن ترتبط بها ارتبا ًطا‬
                                                                                                 ‫الشاعرة صنعت من القصيدة نو ًعا من التأملات‬
‫ذهنيًّا وماد ًّيا‪ ،‬فتتحول إلى مفردات الوجود التي‬                                                 ‫الأيقونية التي تمتلك في كل فقرة سردية جملة‬

     ‫بدأت بها‪ ،‬على لسان الصبح في وضح النهار‪،‬‬                                                             ‫شعرية طويلة تنتهي بقافية الراء الساكنة‪.‬‬

     ‫والشاعرة هنا تبتكر الرموز النصية بصورة‬                                                      ‫واللافت أن هذه المنظورات الوجودية ‪-‬أحب أن‬
     ‫تنقلك من حالة إلى حالة‪ ،‬فمث ًل نجدها‪:‬‬
                               ‫‪ -‬تخاطب ذا ًتا ما‪.‬‬                                                ‫أس ِّميها هكذا‪ -‬تمثل حالة الانطلاق من القيد‪،‬‬
                                                                                                 ‫وتمثل حالة من الجذب إلى فيوضات قوة وحدة‬

‫‪ -‬تخاطب الفكرة “لا شيء يشبه في الحقيقة‬                                                           ‫الوجود الذاتية‪ ،‬طب ًعا هي ليست “وحدة الوجود»‬

                               ‫أي شيء”‪.‬‬                                                                  ‫المصطلح الصوفي المعروف عند ابن عربي‪،‬‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116