Page 81 - m
P. 81

‫‪79‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫الشعر‬

      ‫التي كانت ترفر ُف على أسطح المباني‪ ،‬سكتت‬                 ‫من الأغاني‪ ،‬حين ر َّن ْت قذيفة مدفع‪ ،‬وقطفت ِك‪..‬‬
  ‫الأناشيد‪ ،‬وجمد المار ُة في الشوارع‪ ،‬وهم ينظرون‬
                                                                          ‫القافلة‬
      ‫إليها تمشي‪ ،‬مرفوعة الرأس‪ ،‬في الأزقة‪ ،‬وبين‬
                                        ‫البيوت‪.‬‬              ‫كن ِت هاربة ع َّمن يمثل الله‪ ،‬تتنقلين من مدينة إلى‬
                                                              ‫مدينة‪ ،‬وتنامين مع أفضل رفقة‪ :‬جسد ِك‪ ،‬وكن ُت‬
     ‫بإشارة منها تفتَّح الخيا ُل‪ ،‬ر َّن البرق ثم الرعد‪،‬‬   ‫أبح ُث عن آثار ِك في المدن والأزقة‪ ،‬فتظهرين‪ ،‬خاطفة‪،‬‬
   ‫وهطل ْت الحجارة كالمطر‪ ،‬حتى تحول ْت القرية إلى‬             ‫كالبرق‪ ،‬خلف نافذة حافلة‪ ،‬ثم تختفين بسرعة‪،‬‬
 ‫ت ٍّل من الأحجار‪ ،‬عندئذ خلع ْت المرأ ُة جلدها الآدمي‪،‬‬       ‫فأتبع قلبي وأمشي خلفه‪ ،‬لكنه لا يقودني إلا إلى‬
                                                           ‫خيط المتاهة‪ ،‬حيث يتبخر المعنى من المعنى‪ ،‬ويختلط‬
                                   ‫وارتقت التل‪.‬‬              ‫الأخضر باليابس‪ ،‬فأجدني هار ًبا ع َّمن يمثل الله‪،‬‬
 ‫هناك‪ ،‬فوق تل الخطايا‪ ،‬نبت ْت لها أجنحة‪ ،‬وطارت‪..‬‬              ‫ومثلك أتنقل من مدينة إلى مدينة‪ :‬أنام مع الفقر‬
                                                             ‫والخوف‪ ،‬وأدخن حياتي مثل سيجارة‪ ،‬فيما أمي‬
                ‫امرأة‬                                      ‫ترتدي بدلة حزنها وقلقها‪ ،‬وتلتحق بالقافلة‪ ،‬هاربة‬
                                                          ‫ع َّمن يمثل الله‪ ،‬بحثًا عن أولادها الهاربين‪ ،‬من مدينة‬
   ‫أيتها المضيئة‪ ،‬كمصباح يف ِّرق الضباب عن نوافذ‬
‫العالم‪ ،‬كغصن يغسل وجهه بالندى‪ ،‬كزقزقة الشجن‬                                                    ‫إلى مدينة‪..‬‬

    ‫من حنجرة بلبل‪ ،‬كينبوع يتلو آية الماء‪ ،‬كنضارة‬                        ‫تل الخطايا‬
                              ‫الورد في الصباح‪..‬‬
                                                             ‫عادت المرأة التي ُرجم ْت‪ ،‬حتى الموت‪ ،‬بالحجارة‪،‬‬
  ‫ي َج ْوهر ِك الح ُّب‪ ،‬والألم من الحب‪ ،‬لأن ِك تبرقين في‬  ‫محروسة بموكب من الأسى‪ ،‬كان يحلق فوقها‪ ،‬فيما‬
                      ‫العتمة‪ ،‬تشعين مثل ماسة‪..‬‬
                                                             ‫خلفها يسير موكب آخر من العذارى والعصافير‬
                ‫نور ِك‬                                                                           ‫والملائكة‪.‬‬

   ‫دون أن تكون لدي فكرة في كيفية الوصول إلي ِك‬                  ‫نشر الذع ُر جناحيه على الرؤوس التي امتد ْت‪،‬‬
     ‫دخل ُت البلدة‪ .‬لم أسأل أح ًدا واكتفي ِت أن أراقب‬          ‫مدهوشة‪ ،‬من النوافذ‪ ،‬من فوق السطوح‪ ،‬ومن‬
                                                             ‫المقاهي‪ :‬توقف ْت الحياة‪ ،‬ج َّف الحما ُس في الرايات‪،‬‬
  ‫العيون‪ ،‬التي من المحتمل أنها رأت ِك‪ ،‬فأن ِت تتركين‬
   ‫أث ًرا هناك‪ ،‬لا يعرف عنه أحد إلا القلة‪ ،‬وأنا منهم‪،‬‬

                   ‫لأنني تسمم ُت‪ ،‬ساب ًقا‪ ،‬بنور ِك‪..‬‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86