Page 78 - m
P. 78
العـدد 57 76
سبتمبر ٢٠٢3
عبد العظيم فنجان
(العراق)
تمائم مقدسة
إلا مرورك ،مثل نيزك مشتعل ،في حياته.. قصيدة نثر تحت العاصفة
قصيدة نثر أدخ ُن سيجارتي الأخيرة ،واق ًفا أمام الباب الذي
غيَّر ِت مفتاحه ،غير مكترث بالمطر وهو يسقط،
نب َش الفيضا ُن الجث َث في المقبرة ،فجلس القتلى معنا غاضبًا ،على هامتي ،ولا بالعاصفة التي تحاول أن
على الأرصفة :د َّخنوا من سجائرنا ،وهاموا في تنتزعني ،وهي ترمي كل شيء أمامي وخلفي.
أتخيلني مثل ورقة توشك أن تفلت من يد الشجرة،
الأغاني ،من حنجرة إلى حنجرة ،ثم انخرطوا معنا أو مثل عصفور يهشه الغص ُن ،ولا شيء يمكن أن
في البكاء ،لأن الحب تب َّخر من الصلاة ،لأن القحط أفعله غير الإصرار على أن أظل واق ًفا ،أستمع إلى
كان ينمو مثل التلال ،ولأن وباء الفقر انتزع الأحلام أغنية جحود ِك ،وحي ًدا ،في البرد ،لكن فجأة ،وبدون
والنوافذ ،مما جعل اليأ َس ينب ُت في الساحات والكتب منطق ،يخطر لي المشهد الأخير لشريط سينمائي،
والأزقة والدفاتر ،فيما الحزن يعزف موسيقاه ،وهو عندما خرج ْت امرأة من بين الانقاض ،واخترق ْت
قطيع جنود يحاصرون المكان :مشي ْت بينهم،
يجري ،مترن ًحا ،في الشوارع. رافعة الرأس ،وهم ينظرون إليها باندهاش وبرغبة
كنا نتبادل الحسرات ،بدل الكتب ،ونجمع الدموع مكتومة ،حتى استداروا ينظرون إلى حيث تمشي،
في راحاتنا ،لنك ِّون بحيرة ،نطلق على سطحها زوارق فيما بقي ْت ف َّوها ُت بنادقهم موجهة إلى الجهة التي
ورقية ،لكن الأمر كان خر ًقا لتقاليد البطولة ،كما
زعم الخليفة ،فلم يسمح بأكثر من أن نتلوى بين خرج ْت ،بكامل جمالها ،منها..
أحشاء ذكرياتنا ،أو بتدخين الترياق للوصول إلى
ضوء
المطلق.
ذات صباح لم نجد الموتى ،ولا القتلى ،كانوا قد كان يضيء ،أو يوشك أن يضيء ،كلما فكر أن يكتب
غادروا فجأة ،لكننا وجدنا عبارة مكتوبة بالدمع: اسمك ،لكنه صار مقم ًرا حين كتب ِت له «أحبك»،
المعذرة ،لأن الألم ،فوق سطح الأرض ،أرض العراق، ففي عراء حياته لم يجد نجمة كي يسرق الضوء
من أجلك ،غير أن هذا القبس المشع من الحب ،قد
لا يطاق.. ح َّرضه على الاشتعال ،وهو يكتشف مجرات من
تمائم مقدسة النجوم والكوكب ،كانت نائمة في داخله ،لم يوقظها
علقو ِك ،من ضفائر ِك ،إلى السقف ،وأطلقوا الرصاص