Page 86 - m
P. 86

‫العـدد ‪57‬‬     ‫‪84‬‬

                                                                ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

                                                                 ‫سمير فوزي‬

                                                          ‫صورةٌجماعي ٌة‬

     ‫بأشباه العفاريت‪ ،‬ربما لست موجو ًدا بها‪ ،‬أنت‬           ‫لا ُيعقل أن أحتفظ بهذه الصورة كل تلك السنوات‬
    ‫اليوم المحامي الكبير المشهور بعلاقاته بالكبار‪،‬‬           ‫دون أن أكون موجو ًدا بها‪ ،‬أميل أحيا ًنا لنصيحة‬

                  ‫يحسدك الناس على ما أنت فيه!‬                  ‫زوجتي بنسيان أمرها‪ ،‬لكن روحي تظل قلقة‪،‬‬
‫اقتنعت برأيها وحاولت أكثر من مرة تجاهل البحث‬              ‫تحوم حول الصورة وشاغليها‪ ،‬ف ُأعاود التدقيق في‬
                                                           ‫كل الوجوه‪ ،‬الواقفين والجالسين‪َ ،‬علَّني أهتدي إلى‬
         ‫عني في الصورة‪ ،‬لم أستطع ولم تفارقني‪.‬‬
‫حسن عباس هو الأقدر على تحديد مكاني‪ ،‬يستطيع‬                            ‫ملامحي القديمة وأتعرف على نفسي‪.‬‬
 ‫بنظر ٍة خاطف ٍة أن يضع إصبعه على وجهي ويقول‪:‬‬                    ‫كلما حاولت تكبير الصورة‪ ،‬تتباعد الملامح‪،‬‬

                                       ‫هذا أنت‪.‬‬                          ‫و ُتطمس معالمها فتتبعثر الذكريات‪.‬‬
      ‫ظل َح َس ْن لسنوات طويلة‪ ،‬بعد أن تفرقت بنا‬          ‫تحققت الآن أنني على مدار عمري كله‪ ،‬الذي اقترب‬
 ‫ال ُس ُبل‪ ،‬على تواصل مستمر مع الجميع‪ ،‬يتصل بي‬
                                                                ‫من الستين‪ ،‬لم يكن بي ما ُيميزني بوضوح‪،‬‬
             ‫ل ُيبلغني أخبار ال ِّشلَّة كما كنا ُنسميها‪.‬‬    ‫ويجعلني أُحدد على الفور من أنا وسط الآخرين‪.‬‬
‫أخبرني بموت أحمد بن صابر كامل‪ ،‬الطفل الصغير‬                  ‫الصورة تضم الأساسيين والاحتياطيين لفريق‬
‫الذي أنجبه صابرعلى َك َب ْر من زوجته الثالثة‪ ،‬الشابة‬      ‫الكرة بمركز شباب الخلفاء‪ ،‬قبل إحدى المباريات لا‬

     ‫الصغيرة صديقة ابنته‪ ،‬أعرف عن صابر ولعه‬                                                      ‫أتذكرها‪.‬‬
  ‫بالنساء واستعداده الدائم للمغامرة من أجل أنثى‬            ‫ُر َّبما أكون ذلك الأسمر النحيف الطويل في أقصى‬
                                                          ‫يمين الواقفين‪ ،‬أو صاحب الشعر الخشن (ال َكنيش)‬
                                         ‫جميلة‪.‬‬
       ‫َش َّد َد حسن عليَّ ألا أتأخر عن حضور الدفن‬             ‫متشب ًها بمحمود الخطيب ونجوم ذلك الزمان‪،‬‬
‫والوقوف بجوار صابر‪ ،‬صديقنا القديم في مصيبته‪،‬‬                ‫أو ذلك الفارد ذراعيه حول الواقفين بجواره على‬
                                                            ‫الجانبين ويبتسم في وجه الكاميرا‪ ،‬أو ذلك الوجه‬
         ‫فاستجبت له وجاورته في سرادق العزاء‪.‬‬
      ‫عندما أرسل لي صابر دعوة زفاف ابنته بعد‬                         ‫المختفي نصفه تحت إبط مدرب الفريق‪.‬‬
   ‫مرورعام من وفاة شقيقها الطفل‪ ،‬سألت حسن‪:‬‬                ‫يظل السؤال حائ ًرا‪ ،‬أين أنا في هذه الصورة؟ أتذكر‬

                          ‫‪ -‬جوزها بيشتغل إيه؟‬               ‫البعض وتغيب عني تما ًما ملامح البعض‪ ،‬كأنني‬
                                        ‫‪َ -‬طيَّار‪.‬‬                                     ‫أراهم للمرة الأولى‪.‬‬
                                       ‫‪ -‬وهي؟‬
                                       ‫‪ -‬طبيبة‪.‬‬               ‫سخرت زوجتي من اهتمامي ال َم َرضي بصورة‬
                                                            ‫قديمة مظلمة‪ ،‬نصحتني بتمزيقها ونسيان أمرها‪،‬‬
              ‫كان قراري الفوري بعدم الحضور‪.‬‬                 ‫قالت لي ماذا يهمك من صورة قاتمة كالحة مليئة‬
   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91