Page 87 - m
P. 87

‫‪85‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

  ‫الدنيا سوى محل حلاقة قديم يقتصر زبائنه على‬              ‫أبلغني بمرض ياسر وحجزه بمستشفى معهد‬
                            ‫أصدقائه كبار السن‪.‬‬         ‫ناصر‪ ،‬حدد رقم الحجرة ومواعيد الزيارة فذهبت‬

‫كان الأقرب للجميع‪ ،‬يستضيفنا دائ ًما في بيته القديم‬       ‫إليه‪ ،‬لم أنس أب ًدا ُهزال ياسر لغيبوبة الكبد التي‬
              ‫بدوره الوحيد المتآكل الآيل للسقوط‪.‬‬                                   ‫جعلته لا يتذكرني‪.‬‬

     ‫كان بيت حسن‪ ،‬وبالتحديد حجرته قلبًا يتسع‬          ‫أتذكر اتصال حسن وأنا في ُحضن أم سعد‪ ،‬عميلتي‬
 ‫لكل من حوله‪ ،‬يستضيفنا فيه وأحيا ًنا نبيت عنده‪،‬‬       ‫بالمكتب في شقتها‪ ،‬في غياب زوجها (جمال مدكور)‬
                                                      ‫وزواجه للمرة الثانية من امرا ٍة لعوب‪ ،‬شدد عليَّ أن‬
     ‫يسرقنا الوقت في ال ُفرجة على الصور و َت َص ُّفح‬
      ‫المجلات الرياضية التي لا يعرف سواها‪ ،‬نقرأ‬                     ‫نلتقي به ل ُنراجعه خو ًفا على سمعته‪.‬‬
   ‫عنده أخبار الرياضة والكورة والملاعب والأهرام‬               ‫ذ َّكرني بواجب وداع سيد سالم قبل سفره‬
    ‫الرياضي ونجوم الملاعب‪ ،‬كانت الحجرة ُمب َّطنة‬            ‫للسعودية‪ ،‬كان سيد بصحبتي عندما تقدمنا‬
   ‫بصور الخطيب وحسن شحاتة ومصطفى عبده‬                       ‫لمسابقة مصلحة الضرائب‪ ،‬عقب تخرجنا من‬
                                                       ‫الجامعة‪ ،‬هو لوظائف المحاسبة وأنا للقانون وكان‬
        ‫وإكرامي وثابت وعادل المأمور وشوماخر‪.‬‬           ‫أول الناجحين‪ ،‬ولم يختاروني‪ ،‬تحججت بمشاغلي‬
 ‫تذوقت طعم ال ُأنثى لأول مرة في ُحجرة حسن‪ ،‬مع‬
‫شقيقته حنان‪ ،‬لم أكتشف لغز مبيت الزملاء المتكرر‬                               ‫الكثيرة ولم أذهب لوداعه‪.‬‬
                                                             ‫ظل ُيذ ِّكرني بمن نسيتهم‪ ،‬يستدعي إشارات‬
                           ‫عنده إلا في تلك الليلة‪.‬‬    ‫وحكايات ومواقف‪ ،‬لا أتذكر الكثير منها لي ُدلَّني على‬
       ‫فوجئت بها ُقرب الفجر تدخل علينا بقميص‬            ‫شخص ما لديه مناسبة سعيدة أو حزينة‪ ،‬أحيا ًنا‬
    ‫نوم شفاف ج ًّدا‪ ،‬تحمل تهاني شقيقتهما الطفلة‬         ‫كثيرة كنت أشفق عليه‪ ،‬ف ُأعلن تذكري لمن يتحدث‬
‫الصغيرة‪ ،‬وضعتها على الكنبة بجوار حسن‪ ،‬الغارق‬
                                                                               ‫عنه على عكس الحقيقة‪.‬‬
                               ‫في نومه‪َ ،‬ه َم َس ْت‪:‬‬                  ‫اتصلت بحسن‪ ،‬رد صوت أُنثوي‪.‬‬
                             ‫‪ -‬حسن نومه ثقيل‪.‬‬
  ‫البنت الصغيرة لم تب ِك وظلت ناظر ًة تجاهنا تتابع‬                              ‫‪ -‬أكلم الأستاذ حسن‪.‬‬
                                                                                        ‫‪ -‬تعيش انت‪.‬‬
                                       ‫في براءة‪.‬‬                                             ‫‪ -‬إمتى؟‬
                                    ‫‪ -‬مكسوف؟‬                                            ‫‪ -‬من يومين‪.‬‬
                              ‫‪ -‬حسن صاحبى!‬                                               ‫‪ -‬كان عيان؟‬
 ‫لم استطع المقاومة فاستجبت لها‪ ،‬ابتعدت عنها مع‬
   ‫ميكروفون الفجر‪ ،‬خشيت أن يوقظ صوته العالي‬                                         ‫‪ -‬البيت وقع عليه‪.‬‬
  ‫من في البيت ويفتضح أمرنا‪ ،‬قررت أن لا أكرر ما‬        ‫َأوضح من بالصورة‪ ،‬لا ُتخطئه العين ولا يغيب عن‬
                                    ‫فعلته ثاني ًة‪.‬‬     ‫الذاكرة‪ ،‬الوسيم بوجهه المستدير وعينيه شديدتي‬
  ‫بعد يومين فقط‪ ،‬كنت أنتظر أن يضع حسن رأسه‬
    ‫على المخدة‪ ،‬عندما راح في النوم‪ ،‬وجدتها أمامي‬          ‫السواد كأنه مكتح ٌل دائ ًما‪ ،‬شعره الناعم الثقيل‬
                          ‫تحمل الطفلة الصغيرة‪.‬‬            ‫‪-‬حارس المرمى‪ -‬المشهور بحركاته البهلوانية‪،‬‬
          ‫عندما رأيته سألته عن أخبار حنان فقال‪:‬‬             ‫رأيته أخر مرة منذ شهر تقريبًا‪ ،‬وجدته فوق‬
         ‫‪ُ -‬عقبال أمالتك! متجوزة صاحب مصنع!‬           ‫رأسي بالمكتب بصوته الهادئ وعينين مكسورتين‪،‬‬
                                     ‫‪ -‬وتهانى؟‬         ‫طلب الترافع له في قضية ال ُخلع التي رفعتها ضده‬
                         ‫‪ -‬موظفة في بنك مصر‪.‬‬
    ‫أخذت منه رقم تليفون صباح‪ ،‬طلبتها فجاءتني‬                                                  ‫صباح‪.‬‬
‫مسرعة‪ ،‬لم أكن رأيتها منذ فترة طويلة‪ ،‬كنت شاه ًدا‬          ‫رغم وسامة حسن‪ ،‬لم نعرف له علاقة غرامية‪،‬‬
     ‫على عقد زواجهما الغريب والشجاع‪ ،‬ظل مثار‬            ‫كان مقصد كثير من الفتيات بل والنساء‪ ،‬لكنه لم‬
   ‫دهشة الجميع إلى أن أصبح واق ًعا تعايشنا معه‪،‬‬          ‫ير سوى صباح‪ ،‬كان ودو ًدا ليِّنًا‪ ،‬أبعد ما يكون‬
                                                       ‫عن العناد إلا في تمسكه بصباح وتمسكها به‪ ،‬رغم‬
                                                      ‫رفض أسرتها له لأنه ابن الح َّلق الذي لا يملك من‬
   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92