Page 90 - m
P. 90
العـدد 57 88
سبتمبر ٢٠٢3
عبد القادر وساط
(المغرب)
خبز وعنب
يملك دراجة هوائية ،يركبها بطريقته الخاصة، -1
إ ْذ َيجلس على السرج ثم يتكئ بكتفيه على الم ْق َود
وينطلق بالدراجة ،عبر شوارع المدينة الصغيرة، فسجقأ َةط،م َنسق َعطلياالئطها،ئ ُرو ْفالَقأبيخ ُطضعممنوداليسمماءس.تقيم ،كما
دون أن يثير استغرا َب أحد ،فالناس قد ت َع َّودوا منذ َتفرض ذلك قواني ُن الفيزياء ،وانتهى جث ًة هامد ًة
سنوات طويلة على ذلك المشهد ،مثلما تع َّودوا على فوق الإسفلت الملتهب ،أمام سينما روكسانا.
جلسته أمام تلك القاعة السينمائية الوحيدة بالمدينة، كنَّا في شهر يونيو وال َح ُّر شديد ،والساعة الكبيرة،
المث َبتة على حائط السينما ،تشير إلى الواحدة زوا ًل.
خلف طاولته العتيقة ،بينما الزبائن َيضعون أنا كنت واق ًفا هناك في الظل ،أتفرج على ملصقات
بأنفسهم ثم َن مشترياتهم من الحلوى في الصندوق الأفلام ،وأحلم مثلما يحلم كل أطفال الدنيا ،أمام
الصور الكبيرة الملونة لأبطال الويستيرن.
الصغير المخصص لذلك. في حجم لقلاق .وكان لسانه اكلاونردطايئ ًيراتدكَّبلي ًرما،ن
جانب منقاره المتصلب ،كما
-3 يحدث عاد ًة للطيور الميتة .ورغم شدة ارتطامه
بالأرض ،لم يكن يسيل منه دم.
كانت درجة الحرارة قد قار َبت الخمسين ،دون اقترب منه سي المختار ،الذي يبيع الحلوى أمام
شك ،عند سقوط الطائر .وأنا وقف ُت عندئ ٍذ في الظل، السينما ،ووق َف يتأمله بأ ًسى ثم قال ،كأنما يخاطب
نفسه:
مستن ًدا بظهري إلى جدار السينما ،غير بعيد عن
طاولة الحلوى .كن ُت جائ ًعا ،وراغبًا في التهام قطعة أو ال-والق َّتصْ ،ه ْودأ ْبهواو ْابل ّلج َهقنْتلُمو.م كحليفوالة ْشوالغاع َمياْر ُذوباطلالهر؟فها ْذ
قطعتين من تلك الحلوى ،لكن جيوبي كانت فارغة. -2
أخبرني سي المختار أ َّنه يشعر برغبة شديدة في
التدخين ،رغم الحر الخانق ،فأبدي ُت استعدادي كان سي المختار يتكلم والعرق الغزير يتفصد من
جبهته ومن وجهه ،ولم يكن يستطيع أن يمسح
لمساعدته .كان الأم ُر في غاية البساطة ،فما عليَّ سوى ذلك العرق ،لأنه كان بلا ذراعين .هكذا ول َد ْته أمه،
أن أُخر َج علب َة السجائر من جيبه ،وأتناول منها حسب ما يرويه س َّكا ُن الحي .لك َّن أشخا ًصا آ َخرين
سيجارة وأضعها بين شفتيه ،ثم أتناول الو َّلعة
يزعمون أنه َف َق َد ذراعيه خلال طفولته ،في حادثة
من الجيب الآخر ،وأشعل له السيجارة .لقد رأي ُت سير ،بمدينة طنجة ،حيث كان يقيم مع أسرته،
أشخا ًصا كثيرين يفعلون ذلك من أجله .لكنه رفض وأنه نجا من الموت بأعجوبة .وهاهو الآن في س ِّن
بحزم .قال إنه لا ينبغي للأطفال في سنِّي أ ْن يلمسوا الكهولة ،يعيش مع زوجته وابنته ،في بيت صغير
لمبنيتبناي،عبالححِّيل اولكى،ر أممةا،مويسكينسمابرقووتكهساونقا،ووتهو مجاور
السجائر. أسرته
-ال َّذراري َك ْيساعدوني في نقل البضاعة ،وهذا يكفي.
كن ُت واح ًدا من الأطفال الذين يساعدونه بين حين
وآخر .وكثي ًرا ما قم ُت بربط كرطونة الحلوى ،في
المكان الخلفي للدراجة ،قبل أن ينطلق بها عائ ًدا إلى
بيته.