Page 127 - m
P. 127

‫نون النسوة ‪1 2 5‬‬                                   ‫طبيعة نص اليومية الذي «يتحكم فيه استقلالية‬
                                                    ‫ضمير المتكلم ويه ِّوم في إنشائية شاعرية داخل‬
‫الحداثيون من ترقيم فقراتهم الشعرية لإعطائها‬
  ‫حق الاستقلال الإنتاجي أو ًل‪ ،‬ثم اتخاذ التتابع‬        ‫مونولوج ينتمي إلى صوت الكاتب الشعري‪،‬‬
‫الرقمي أداة ربط بين الفقرات ثانيًا‪ ،‬وهنا يقترب‬        ‫وتط ِّور الأنا فائدتها من تقنية اليوميات بفعل‬
                                                      ‫آليَّة التركيز والتكثيف الفضائية التي تنطوي‬
     ‫الديوان من روح السرد البوحي الذي يميز‬
  ‫انسيابية الخاطرة وقت تلاحقها في ذهن الذات‬                                    ‫عليها هذه التقانة»‪.‬‬
                                                            ‫لذلك قد تخضع الخاطرة لفكرة الزمن‬
    ‫الشاعرة‪ ،‬فقرة ورء فقرة وفكرة وراء أخرى‬               ‫اليومي‪ ،‬فتكون أقرب لليوميات التي تتقيد‬
 ‫وفق منطق التداعي الحر الذي يتحقق بالمغايرة‬            ‫كتابيًّا بالظروف الزمانية والمكانية والنفسيَّة‬
‫بين الأزمنة‪ ،‬كما تكفل للنصوص مفهوم الوحدة‬           ‫والاجتماعية لطبيعة اليوم الذي تس ِّجل فيه كل‬
 ‫الموضوعية الذي يجعل كل نص يرهص بالآخر‬                ‫يومية‪ ،‬كما تستند –لغة وتشكي ًل‪ -‬إلى طبيعة‬
                                                    ‫الأحداث الشخصية أو ما يدور حول شخصية‬
       ‫ويتداخل ويتقاطع معه شعور ًّيا ونفسيًّا‪.‬‬           ‫من أحداث تؤثر بالضرورة عليها‪ ،‬فتكون‬
‫كما يعكس هذا الشكل من البوح الشعري أهمية‬              ‫قصيرة أو متوسطة الطول أو طويلة‪ ،‬وتكون‬
  ‫خاصة مشفوعة بذكاء حاد في أسلوبية الكتابة‬               ‫قائمة على حدث واحد أو مجموعة أحداث‪،‬‬
                                                        ‫وتكون ذات حيوية وحرارة وإثارة وتنوع‬
   ‫المعتمدة على التركيز والتكثيف وح َّدة الالتقاط‬     ‫أو أقل حيوية وإثارة وتنوعا‪ ،‬و ُتظ ِهر حماس‬
                                                   ‫الكاتب أو قلة حماسه‪ ،‬وتكون ذات طابع حكائي‬
                                                    ‫أو وصفي أو قد تكتفي بالإشارات والملاحظات‬

                                                                            ‫والإلماحات والبرقيات‪.‬‬
                                                         ‫وبالرغم من التجنيس الواضح والصريح‬
                                                       ‫للمجموعة المتناولة بالدرس سواء من خلال‬
                                                       ‫المعلومات النشرية على أغلفتها أو من خلال‬
                                                   ‫بنية نصوصها الشعرية نفسها‪ ،‬فإن من الممكن‬
                                                         ‫اعتماد مصطلح الخاطرة اليومية الشعرية‬
                                                   ‫لتعريف أغلب النصوص‪ ،‬حيث انبنت على لحظة‬
                                                          ‫تسجيل آني لما تشعر به الذات الشاعرة‪،‬‬
                                                         ‫كما اتضح من الجهاز العنواني للمجموعة‬

                                                             ‫بأكملها «تماما كما أفعل الآن»‪ ،‬حيث‬
                                                              ‫استخدام صيغة الحاضر وهو الفعل‬

                                                                       ‫المسيطر على بنية اليوميات‪.‬‬
                                                               ‫جدير بالذكر أن المجموعة خلت من‬

                                                                   ‫الأجهزة العنوانية الداخلية التي‬
                                                              ‫تسبق القصائد‪ ،‬وعو ًضا عنها لجأت‬

                                                                 ‫الشاعرة إلى مبدأ الترقيم‪ ،‬لتصبح‬
                                                                      ‫الأرقام أداة إنتاجية ‪-‬بتعبير‬
                                                                         ‫محمد عبد المطلب‪ -‬تؤدي‬
                                                                     ‫مهمتين هما الفصل والوصل‬
                                                                       ‫على صعيد واحد‪ ،‬فقد أكثر‬
   122   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132